يواجه اللاجئون السوريون عموماً، والذين يعيشون في المخيّمات في لبنان خصوصاً، مستويات متدنية، بل مثيرة للقلق البالغ، من انعدام الأمن الغذائي. ووفقاً لإحصائيات صادرة عن برنامج الأغذية العالمي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين العام الفائت، يبلغ عدد اللاجئين السوريين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد أو المتوسط نحو 1.3 مليون شخص ويتلقى مليون منهم فقط المساعدات.

كما يعاني لبنان من أزمة اقتصادية وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من أكبر عشر أزمات على مستوى العالم منذ القرن التاسع عشر. والتأثير الاجتماعي لهذه الأزمة وخيم على جميع الفئات السكانية في لبنان، فالأسعار تواصل ارتفاعها، مع تزايد ندرة السلع الأساسية، بما في ذلك الأدوية والوقود، في حين انخفضت فرص العمل والرواتب انخفاضاً حاداً، مما أدّى إلى انعدام الأمن الغذائي وتهديد حياة العديد من العائلات.

توفير الغذاء!

"فقط ساعدوني لإطعام أولادي ولا أريد شيئاً آخر"!... بهذه الكلمات يختصر أ.ح.، وهو نازح سوري من مخيّم برّ الياس في البقاع، معاناة شريحة واسعة من النازحين. يوافقه الرأي أبو أحمد. ز، موضحاً أنّهم في المخيّم "يعانون من نقص في الوجبات الغذائية، وإن توفرت لهم، فإنها لا تصلح للتناول لتعرّضها للتعفن، كما تفوح منها رائحة كريهة في بعض الأحيان"، لافتاً إلى أنه "على الرغم من وصول مساعدات إلى المخيّم، إلا أنّ هناك سوء توزيع لها".

يشاركه هذه المعاناة اللبناني م. ح. الذي أكد أنه لم يعد باستطاعته أن يؤمّن لأسرته ثلاث وجبات طعام في اليوم، لذلك فهو يعمد الى تأخير وجبة الغداء: "شو بدنا نعمل؟ الترويقة على الـ١١ الضهر والغداء على الـ٥ بعد الظهر لنوفّر وجبة أكل. ما قادر طعمي ولادي والله".

مبادرات متمثلة بطرود غذائية

أكد مدير جمعيّة Maps في البقاع فادي الحلبي أنّ "الجمعيّة تقدّم مشروع حصص غذائية محصوراً فقط بالنازحين السوريين الذين يرسلون أولادهم لتعليمهم ضمن برنامج دراسي محدّد من قبل الجمعيّة، وذلك لدعم وتشجيع التعليم"، معتبراً أنّ "المشروع هو للسوريين فقط نظراً للظروف الصعبة التي يعيشونها، إذ يمتنع العديد من العائلات عن إرسال أولاده إلى المدرسة بسبب سوء الوضع الاقتصادي، فتكافح Maps بذلك، قدر الإمكان، مشكلة عمالة الأطفال. وأيضاً، تساهم الجمعيّة بدعم التعليم بطريقة غير مباشرة، وتكون في الوقت ذاته، تساهم في مكافحة ظاهرة التسرّب المدرسي. وقد شمل هذا المشروع ٢٠٠٠ عائلة وزّعت عليها الحصص الغذائية".

وفي ظل معاناة اللبنانيين المتزايدة، تبلورت مبادرة من جمعيّة أسّستها عام 2014 مجموعة صغيرة من المتطوّعين للاستجابة لاحتياجات النازحين. ومنذ ذلك الحين، تعمل "بسمة وزيتونة" على توفير خدمات التعليم والإغاثة وسبل العيش والحماية. أمّا اليوم، فهي تقدّم مشروعاً جديداً يستمرّ حتى نهاية هذا العام. وقد أشار المدير القطري للجمعيّة إيليو غاريوس إلى أنّ "الجمعيّة تعمل الآن، بالتعاون مع برنامج الغذاء للعالمي WTP، على تقديم طرود غذائية شهرية لـ٥٠٩٣ أسرة لبنانية في قضاء عاليه، زنة الواحد منها ٦٠ كلغ ويحتوي على مواد غذائية أساسية. ويساعد هذا الدعم الأسر في مواجهة تأثير التضخم وانخفاض القدرة الشرائية، كما ويساهم في تحرير مواردها لتغطية احتياجاتها الأساسية الأخرى مثل الأدوية والإيجار والتعليم"، كاشفاً أنه "على الرغم من أنّ هذا المشروع يشمل العائلات اللبنانيّة فقط، ولكن يتمّ التحضير لمشروع آخر سيشمل العائلات اللبنانية والسوريّة في طرابلس، وهو عبارة عن توزيع حصص غذائية للعائلات المحتاجة بعد تقييم معيّن تحدّد معاييره الجمعيّة، للوصول للأسر الأكثر حاجة"، واعداً بأنّ عدد الأسر المستفيدة سيكون كبيراً نسبياً.

سوء الوضع الاقتصادي

إزدياد حالات العوز ناتج بشكل كبير عن انهيار قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي. لقد وصف ع. ع. وهو لبناني يعيش على مشارف مخيّم البص في صور في جنوب لبنان، الوضع الاقتصادي "بالسيء والذي لم يعد يُطاق"، وقال: "أعمل على عربة لبيع الخضار لأعيل أسرة مكوّنة من تسعة أفراد. أعرف الكثير من العائلات التي تُطعم أطفالها الخبز المغمّس بالشاي فقط لا غير". وأشار إلى أنه "مستعدّ للعمل في أي شيء"، مناشداً الدولة تأمين مساعدات للأسر "كي لا تموت من الجوع".

بدورها، أكّدت رئيسة دائرة الشؤون الاجتماعية في الجنوب هيام عبد النبي أنّ "هناك بطاقة "حياة" التي يستفيد منها حالياً كل لبناني مدرج إسمه في وزارة الشؤون الاجتماعية على أنه من الأسر الأكثر فقراً منذ ما قبل العام 2018، فيحصل بالتالي على مبلغ مالي قدره 125 دولاراً أميركياً (كل عدّة أشهر) يخوّل المستفيد تأمين حاجياته الأساسية من المواد الغذائية". أمّا بالنسبة للبطاقة التمويليّة التي أطلقتها الوزارة المذكورة ضمن شبكة دعم للمساعدات، فأشارت عبد النبي إلى أنه "بعد تعبئة عدد لا بأس به من اللبنانيين الاستمارة على المنصّة المخصّصة لذلك، قامت الوزارة بتسليم هذا الملف إلى شركة خاصة، وتولّى فريق من المحللين الاجتماعيين موكل من قبل هذه الشركة تحليل البيانات العائدة لكل أسرة للتأكّد من جميع المعلومات ومن مصادر الدخل. بعدها، يقوم هؤلاء بجولة ميدانية على المنازل ومن ثم يتمّ الاتصال بالعائلة لإطلاعها على كيفية الحصول على البطاقة". ولفتت عبد النبي إلى أنّ "الأسر بدأت تستفيد من هذه التقديمات والأولوية للأسر الأكثر عوزاً، وستليها باقي الأسر تباعاً"، مؤكدةً أنّ "المواطنين الذين يستفيدون الآن من البطاقة موزّعون على كامل الأراضي اللبنانية من الشمال إلى الجنوب". أمّا بالنسبة لأعداد الأسر المستفيدة، فأكدت أنه "لا يمكن إحصاؤها بشكل دقيق لأنّ الشركة الخاصة الموكلة من قبل الوزارة هي التي تمتلك الأرقام".

وتجدر الإشارة إلى أنّ البطاقة التمويلية أطلقها في أيلول من العام 2021 كلّ من وزيري الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال آنذاك رمزي المشرفية والاقتصاد والتجارة راوول نعمة للأسر الأكثر فقراً في لبنان. وفُتح باب التسجيل للاستفادة منها عبر منصّة "impact" من 15 أيلول حتى 15 تشرين الأوّل من العام الفائت.

وبموجب هذه البطاقة يحصل كل فرد على 25 دولاراً اميركياً، فضلاً عن 15 دولاراً إضافياً للأسرة التي تضمّ مُسنّاً عمره يزيد عن 64 عاماً. والحدّ الأقصى لدعم الأسرة هو 126 دولاراً. وتُعطى أموال الدعم بالليرة اللبنانية بناءً على سعر الصرف في السوق السوداء وقت دفع الأموال.

مساعدات؟!

وفي إطار الخدمات الإنسانية التي تقدّم للبنانيين والسوريين، لفت رئيس "مؤسسة رينيه معوّض" في الشمال أنطونيو معوّض -وهي جمعيّة محليّة تأسّست في العام 1991- إلى أنه "في إطار الأزمات التي يمرّ بها لبنان والجوار كالحرب السورية وفيروس كورونا والأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية، تقدّم المؤسسة مشاريع تستهدف بشكل مباشر العائلات الأكثر هشاشة وفقراً سواء أكانت من الجنسية اللبنانية أو السورية". وأوضح معوّض أنّ "هناك تعاوناً في المشاريع المنفذة حالياً مع 50 مموّل كالـ UNICEF وUNHCR وUNDP و WFPوUNOCHA... تتعاون المؤسسة مع هذه المنظمات وغيرها لدعم كل من اللبنانيين والنازحين السوريين. ومن هذه المشاريع ما يدخل في صلب تعزيز الأمن الغذائي لتحسين سبل العيش. فتنفذ الجمعيّة خططاً بالتعاون مع أشخاص لبنانيين وسوريين لقاء بدل يومي يؤمّن لهم قوت يومهم، وبذلك تعمل المؤسسة على توفير الغذاء اللازم للأسرة لقاء هذا البدل الذي تحدّده، مراعيةً الغلاء المعيشي".

وأشار معوّض إلى "مشاريع قامت بها المؤسسة مع بلديات لبنانية تملك أراضٍ عامة من خلال استصلاحها بالاستعانة بعمال لبنايين وسوريين لقاء بدل أتعاب يومي"، وإلى "حصص غذائية تمّ توزيعها لـ 2500 عائلة خلال شهر رمضان". وكشف أيضاً عن مشروع مشابه سينفّذ مع UNOCHA وcare International تتمّ من خلاله مساعدة 1000 عائلة لبنانية و200 عائلة سورية من محافظة لبنان الشمالي (طرابلس، الكورة، المنية، الضنية، بشرّي، البترون وزغرتا)، عبر توزيع طرود غذائية شهرية تكفي عائلة مؤلفة من 5 أشخاص لمدّة 5 أسابيع حسب معايير محدّدة من برنامج الغذاء للعالمي WFP". كما أكد أنه "خلال ذروة أزمة كورونا، تمّ تقديم أكثر من 90 ألف وجبة غذائية خلال فترة 6 أشهر، بالتعاون مع "اليونيسف" باعتبار أنّ هناك العديد من الأسر التي فقد معيلها عمله"، مشدّداً على أنّ "هناك تصوّراً لخطط مستقبلية حسب الاحتياجات الملحّة للأسر".

لبنانيون ونازحون سوريون يواجهون، على حدّ سواء، تحديات انعدام الأمن الغذائي في لبنان. فقد أثرت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية المستجدّة على العائلات اللبنانية والنازحة الأكثر فقراً، ممّا أسفر عن مستويات مقلقة من الفقر وفقدان سبل العيش في أوساط هذه العائلات، جعلت المعاناة واحدة بل عامة. وعلى الرغم من الجهود التي تقوم بها العديد من الجمعيّات، إلّا أنّ الدور الذي تضطلع به الدولة اللبنانية تجاه مواطنيها بالدرجة الأولى، لا يزال خجولاً. ما يجعل الحاجة إلى تحرّك إنساني عاجل على نطاق واسع ملحاً للغاية، لمنع تفاقم انعدام الأمن الغذائي، خصوصاً مع ما يمكن أن يشهده لبنان من إنهيار إقتصادي إضافي!.

نضع في متناولكم أرقام الجمعيّات والجهات التي ذكرناها في سياق الموضوع، لمن يودّ الاستفادة من الخدمات التي تقدّمها:

جمعيّة Maps: 76002549

مؤسسة رينيه معوّض: 01613367

جمعيّة بسمة وزيتونة: 76939238

إتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية URDA: 05807046- 81990418

برنامج الأغذية العالمي في لبنان WFP: 01 964 615

وزارة الشؤون الاجتماعية: 01611260