لم يخرج رئيس الحكومة المكلّف ​نجيب ميقاتي​ من لقائه الثاني مع رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ بعد تكليفه، بانطباع إيجابي عن قرب الاتفاق على شكل الحكومة العتيدة، لكنّ الرئيسين آثرا تعميم أجواء تفاؤلية عن إمكان التوصل لتفاهم خلال الأسبوع المقبل على شكل الحكومة من ضمن خيارات قدّمها عون أمس، لم يعطِ ميقاتي جواباً بقبولها أو رفضها.

واستحوذ تسريب التشكيلة الحكومية التي سلّمها ميقاتي للرئيس عون صباح الأربعاء الماضي على حيّز مهمّ من النقاش، بعدما تبادل الطرفان الاتهامات بالتسريب، ولم تخفِ مصادر مواكبة للقاء، أن ميقاتي "عبّر عن انزعاجه من تسريب التشكيلة، بُعيد تسليمها لرئيس الجمهورية ومغادرته قصر بعبدا".

وأوضحت لـ"الشرق الأوسط" أن الرئيسين "ناقشا الآثار السلبية التي سادت غداة كشف أسماء الوزراء والحقائب، خصوصاً أن بعض الأطراف استخدمتها ذريعة لتطويق مساعي رئيس الحكومة ورغبته بالوصول إلى توليفة حكومية جديّة". وشددت على أن الرجلين "اتفقا على تجاوز هذه المسألة على قاعدة الاحترام المتبادل والنيّة الصادقة لديهما بولادة الحكومة سريعاً".

الإيجابية التي طبعت لقاء أمس والرغبة في تعميم التهدئة الإعلامية، لا توحي بقرب الاتفاق على صيغة مشتركة، خصوصاً أن رئيس الحكومة يرفض وضع شروط مسبقة عليه، وهو "على يقين بأن رئيس الجمهورية لن يتخطّى العناوين التي طرحها رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل للحكومة المقبلة وعلى رأسها إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لا بل سيتمسّك بها"، حسبما قالت مصادر مواكبة.

وكشفت مصادر مطلعة على أجواء قصر بعبدا أن رئيس الجمهورية "استمع إلى الأسباب الموجبة التي حملت ميقاتي على إعادة تعويم الحكومة المستقيلة وتطعيمها ببعض الأسماء". وقالت لـ"الشرق الأوسط" إن رئيس الجمهورية "عرض عدداً من الخيارات على الرئيس المكلّف أبرزها اثنان، الأول تشكيل حكومة تحظى بأوسع دعم سياسي لأنها ستواجه استحقاقات دقيقة، وقد يكون من المفيد جداً تشكيل حكومة من وزراء سياسيين لتأمين الغطاء السياسي لها لتكون منتجة ومحصّنة".

وأشارت المصادر إلى أن الخيار الثاني المهمّ برأي رئيس الجمهورية هو "التفكير بصيغة حكومية تخلط بين السياسيين والتقنيين، شرط أن يتوفّر لها الدعم السياسي من الكتل النيابية الكبيرة وتنال الثقة أمام المجلس النيابي". ولفتت المصادر نفسها إلى أن "الجلسة التي ستعقد بين عون وميقاتي مطلع الأسبوع المقبل، ستحدد أياً من الخيارين يمكن اعتماده، وبعدها يبدأ البحث في التفاصيل والحقائب وأسماء الوزراء".

تشكيلة ميقاتي غير قائمة بالنسبة الى عون

وبحسب صحيفة "اللواء" فإن الخلاصة ان الرئيس عون أوصى، بما لا يقبل الشك ان التشكيلة التي اودعه إياها غداة انتهاء المشاورات النيابية غير الملزمة، الرئيس المكلف غير قائمة بالنسبة إليه، وبالتالي ليس من الممكن إصدار مراسيمها.

إذاً، حسب مصادر مراقبة، أعاد الرئيس عون الكرة إلى الرئيس المكلف، راسماً له خارطة طريق، بثلاثة خيارات:

1 - توسيع التشكيلة بإضافة 6 وزراء جدد، يمثلون القوى السياسية، فتصبح الحكومة ثلاثنية، وتكنو-سياسية.

2 - تعديل جديد في أسماء الحكومة المستقيلة، باستبدال أسماء بأسماء.

3 - إبقاء حكومة تصريف الأعمال على حالها، شرط تفعيلها..

وأفادت مصادر سياسية مطلعة لـ"اللواء" أنه كان من الضروري قيام الاجتماع بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف كي يصار إلى تشريح الصيغة الحكومية التي قدمها الرئيس ميقاتي الأربعاء الفائت وتبادل الأفكار وفتح الباب أمام اجراء التعديل مع العلم أن الاجتماع أمس لم يخلص إلى تعديل نهائي، وكانت المداولات تتركز على إمكانية توسيع الحكومة بإضافة وزراء ربما وزراء دولة بصفة سياسية بالإضافة إلى تبديل بعض الوزراء دون المس بمسألة الحصص.

وأشارت المصادر إلى أن أي تبديل جديد قد يستدعي تبديلا آخر وهكذا دواليك دون إغفال أن الرئيس عون غير راض على أداء بعض الوزراء الذين ابقاهم ميقاتي في الصيغة الحكومية.

وتوقفت المصادر عند مدة اللقاء بينهما وقالت أنه لا يمكن الإشارة إلى أن ذلك يعني إقفال الأمور، مؤكدة أنه طالما أن هناك مواعيد لاجتماعات مقبلة، فذاك يعني أن التداول قائم وهناك أخذ ورد.

لم تَمت التشكيلة؟

وسط هذه الاجواء، ابلغت مصادر سياسية معنية بملف التأليف الى "الجمهورية" قولها: ان تشكيلة ميقاتي، وخلافاً لما يجري ترويجه، لم تَمت، بل انّ لقاء الرئيسين عون وميقاتي وَسّع دائرة النقاش حولها، وبمعنى ادق شكلت تشكيلة ميقاتي مرتكزاً للنقاش الجدي حولها، والذي أعطي فرصة اضافية من الآن وحتّى موعد اللقاء المقبل بين الرئيسين، ربما الاثنين المقبل، لعل المشاورات التي ستجري في اليومين المقبلين تؤسّس للقاء مثمر بين عون وميقاتي، ولنتائج ملموسة من شأنها أن تسرّع في ولادة الحكومة، وبالتالي فإنّ الامور ليست مقفلة.

وردا على سؤال، استغربت المصادر ذهاب البعض الى افتراض انّ ميقاتي رمى من التسريع في تقديم تشكيلته الى حَشر رئيس الجمهورية، وسألت: "اين هو الحشر طالما ان هذه التشكيلة لا تتمتع بصفة الإلزام، وطالما انّ رئيس الجمهورية في يده ان يقبل هذه التشكيلة او يرفضها؟".

ولفتت المصادر الى انه "لم يسبق في حياتنا السياسية ان تطابقت الرؤى والطروحات السياسية وغير السياسية، وبالتالي من الطبيعي جدا ان تكون رؤى وطروحات رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف يشوبها بعض الاختلاف وربما التناقض، وهذا الامر ليس بجديد وقد شَهدناه في كل تجارب تأليف الحكومات السابقة، والنقاش العقلاني والموضوعي وحده الكفيل بتقريب وجهات النظر وبناء مساحات وقواسم مشتركة تُفضي الى حلول. ومن هنا ينبغي النظر الى النصف الملآن من الكوب، فالرئيس المكلف، ووفق ما تمنحه صلاحياته الدستورية، قام بواجبه وسارَع الى تقديم تشكيلة وزارية كسر من خلالها القاعدة القديمة التي لطالما كانت تأسر تشكيلة الحكومة في مراوحة التأخير والمماحكات. وايضاً رئيس الجمهورية، ووفق صلاحياته أبدى ملاحظاته، وأُبقِي باب النقاش مفتوحاً بين الرئيسين".

ميقاتي: الوقت ضيق

وقد تكتّم الرئيس المكلف على اجواء لقائه امس برئيس الجمهورية، وغادر لقاء بعبدا من دون اي تصريح، واكدت اوساطه لـ"الجمهورية" ان "الاولوية تبقى لتأليف حكومة في اقرب وقت ممكن، والوقت يضغط بقوة ووضع البلد لا يحتمل التأخير في الحكومة، ومن هنا فإنّ النقاش بين الرئيسين سيُستكمل في ضوء دراسة الملاحظات التي ابديت في لقاء الامس".

وقد اكتفت المعلومات الرسمية الموزّعة عن اللقاء بالاشارة الى ان الرئيس عون استقبل الرئيس المكلف، في القصر الجمهوري في التاسعة من صباح امس وتداوّل معه التشكيلة الحكومية المقترحة. وتم خلال اللقاء، طرح بعض الأفكار والاقتراحات، علماً انّ لقاء آخر سيعقد بين الرئيسين عون وميقاتي مع بداية الأسبوع المقبل، لاستكمال البحث والتشاور».

أسبوع حاسم

الى ذلك، أكد مرجع مسؤول لـ"الجمهورية" ان "لا موجب لتأخير اعلان الحكومة على الاطلاق، ولا نرى في الافق ما يحول دون ذلك، خصوصاً انها قاطعة سلفاً نصف الطريق مع تحديد المكونات التي ستتشكّل منها، وسهل ذلك قرار بعض المكونات عدم المشاركة فيها. اما بالنسبة الى الحصص داخل الحكومة فبالامكان تحقيقها، خصوصاً أنّ الرئيسين عون وميقاتي قادران على تدوير الزوايا في هذا الخصوص، وهذا يعني ان الامور ينبغي ان تبلغ خواتيمها الاسبوع المقبل".

وقال: كل عقدة لها حلّ، الازمة تضغط وكذلك الوقت، ولذلك نحن امام ايام حاسمة لنتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود، بحيث تتحدد فيها الوجهة النهائية للمسار الحكومي، فالتواضع في الطروحات سيقود في اتجاه تأليف الحكومة خلال الاسبوع المقبل، واما التصلّب فسيقود حتماً في اتجاه إبقاء الحال على ما هو عليه، ومعنى ذلك زيادة المصاعب على البلد».

لا للاستضعاف

على انّ مصادر قريبة من التيار الوطني الحر قالت لـ"الجمهورية" انها لم تتفاجأ بموقف رئيس الجمهورية ممّا وصفتها "التشكيلة المتسرّعة" التي قدمها الرئيس ميقاتي، مشيرة الى انّ تشكيلة ميقاتي تستبطِن في الجانب الاساسي منها استفزازاً ومحاولة استهداف واضحة ومتعمّدة، تتبدّى في ما يجري ترويجه عبر بعض المنصات السياسية من انّ الرئيس عون لن يُعطَى في "حكومة الاربعة اشهر" المَنوي تشكيلها، ما لم يستطع ان يأخذه في 6 سنوات، علماً انّ اصحاب هذه المقولة يدركون جيدًا أن رئيس الجمهورية، لن يُعطِي في 4 اشهر ما لم يعطه خلال 6 سنوات، وبالتالي يرتكب خطأ فظيعاً من يعتقد انّ في إمكانه استضعاف العهد في الاشهر الاخيرة من ولايته.

ولفتت المصادر الى انّ "الملاحظات التي أبداها رئيس الجمهورية تشكّل عامل التسهيل الاكيد لولادة سريعة للحكومة، ذلك انّ التشكيلة بالصورة التي قدمت فيها تفتقِد الى معايير التوازن المطلوب داخل الحكومة، وتركّز على طرف دون سائر الاطراف، بحيث انها تحصر المداورة بوزارات محددة ومنها وزارة الطاقة ونقلها من فئة الى فئة، في محاولة يبدو القَصد منها إلقاء مسؤولية الاهتراء في قطاع الكهرباء على فريق رئيس الجمهورية، وهو ما لا يمكن تمريره او القبول به، نحن بالتأكيد مع المداورة في كلّ الوزارات، وليس مع مداورة جزئية تُراعي فريقاً على حساب آخر".

ورفضت المصادر تأكيد او نفي ان يكون رئيس الجمهورية قد طرح تطعيم الحكومة الجديدة بسياسيين، الا انها قالت: إنّ طرح الحكومة المطعّمة بسياسيين ليس طرحاً آنياً، انما هو طرح دائم جرى تسويقه في كل الحكومات التي شكلت في عهد الرئيس عون، وتشاركه فيه غالبية المكونات السياسية بعدما ثبت لديها فشل الحكومات التي سمّيت حكومات تكنوقراط.