انشغل الجميع أمس بالرسائل التي حملتها السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا إلى المسؤولين حول نتائج المحادثات التي أجراها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين مع الإسرائيليين بشأن ملف ​ترسيم الحدود​ البحرية مع لبنان، وفيما أعرب الأميركيون عن رغبتهم بالتكتم على نتائج المفاوضات، سعت السفارة في بيروت إلى إشاعة أجواء إيجابية من خلال إعلاميين وسياسيين. وهو ما أشارت إليه أمس أيضاً وسائل إعلام إسرائيلية.

وقالت مصادر مطلعة على الاتصالات لـ"الاخبار" إن السفيرة الأميركية حملت أجوبة مقتضبة بدا واضحاً أن الهدف منها هو اختيار ما يشيع أجواء إيجابية، مثل القول بأن إسرائيل ستقابل "الإيجابية اللبنانية بالتراجع عن الخط 29 بالقبول المبدئي بالخط 23". وأضافت أن "هوكشتين تبلغ استعداداً إسرائيلياً للعودة إلى الناقورة كإطار للتفاوض مع الإبقاء على الوسيط كعامل مساعد"، لكن المشكلة بقيت عالقة بشأن ما تعتبره إسرائيل "حقاً لها في حقل قانا".

وفي هذا السياق، سعى الأميركيون إلى عدم إقفال باب الحديث عن علاجات لما سمي "بالمناطق الجوفية المشتركة" عبر الضغط على لبنان للقبول بفكرة الشراكة العملانية من خلال اتفاق يتيح لشركات عالمية القيام بأعمال التنقيب والاستخراج في المناطق المتنازع عليها والسعي إلى شكل من أشكال التطبيع من خلال إنشاء صندوق خاص لعائدات النفط والغاز، وتوزيعها لاحقاً على البلدين بعد ترك أمر التخمين والتقييم والترسيم إلى الشركات العالمية. وتسعى إسرائيل بدعم أميركي إلى جعل هذه الاتفاقات مسهلة لبدء عملية الاستخراج من حقل كاريش على قاعدة أن لبنان تخلى عن الخط 29 وبالتالي ليس له الحق بالاعتراض على أي عمل هناك.

على أن الجانب الأميركي، والأوروبيين أيضاً، سمعوا مجدداً، عبر قنوات مختلفة، بأن المسألة لا تقف فقط عند رسم حدود، لأن الخطوة لا يمكن اعتبارها عملانية بالنسبة للبنان الذي يحتاج إلى ضمانات تتيح له الحصول على تعهدات ومباشرة الأعمال من قبل الشركات العالمية كما هي الحال مع إسرائيل. وأعادت المصادر هنا التذكير بالموقف الذي أعلنه حزب الله حيال رفض أعمال الاستخراج من قبل العدو قبل ضمان حقوق لبنان، وهو الموقف الذي كان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل قد شرحه بوضوح أكبر عندما قال بأنه "لا غاز من كاريش ما لم يضمن لبنان إخراج الغاز من قانا".

وقالت مصادر مطلعة على اجتماعات شيا أمس إنه "يمكن الحديث عن تقدم أولي، ولكنه ليس كاملاً". وإن السفيرة أبلغت لبنان جواباً مباشراً حول العودة إلى الناقورة بالقول "إن الجانب الإسرائيلي لا يمانع ذلك" وإن الأمر "يحتاج إلى مفاوضات إضافية وخصوصاً لناحية التوقيت والشكل وطبيعة الوفود".

لكن مصادر سياسية معنية وضعت كل ما يجري في إطار المناورات وقالت "إن السلبية تحيط بالملف، لأن ما حملته شيا حول عدم إقرار العدو بملكية لبنانية كاملة لحقل قانا لا يُمكن القبول به لبنانياً"، معتبرة أن "على لبنان أن يتمسّك بحقل قانا كاملاً". وأشارت المصادر إلى أن الحركة ذات الطابع العسكري والأمني في البحر هي دليل على خطورة الموقف، بانتظار كيف سيتعامل لبنان الرسمي مع الجواب الإسرائيلي.

ترسيم الحدود

وفي السياق، لوحِظ امس التحرّك المكثف للسفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا، في اتجاه عدد من المسؤولين، ربطاً بتطورات ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و​اسرائيل​.

والملف نفسه عَرضته السفيرة الاميركية مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، حيث اكدت بعض المصادر لـ"الجمهورية" عن انّ ملف الترسيم سيشهد تحريكاً في وقت قريب، من دون ان تستبعد زيارة للوسيط الاميركي الى بيروت في وقت لاحق من الشهر الجاري.

ولفتت المصادر الى "انّ مجرد الحديث عن تقدّم في هذا الملف الحقيقي وعلى أهميته، لا يحقق الغاية المنشودة إن لم يكن في جوهره مُلبياً للحق اللبناني في ثرواته وسيادته على كامل حدوده البحرية الخالصة".

ترحيب اسرائيلي بتنازل لبنان عن خط 29

الى ذلك، يتلهّف المسؤولون لتقصّي نتائج الجهود التي يبذلها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين مع إسرائيل لاستئناف مفاوضات ترسيم الحدود بموجب الطرح اللبناني الجديد الذي يؤكد الالتزام بإحداثيات الخط 23، فأتاهم الجواب المبدئي على هذا الطرح بإعراب "الجانب الإسرائيلي عن ترحيبه بتنازل الجانب اللبناني عن الخط 29 لكن مع رفض معادلة قانا مقابل كاريش"، وفق ما نقلت مصادر مواكبة لمستجدات الملف، موضحةً أنّ إسرائيل وعلى قاعدة "ما لي لي وما لكم لي ولكم"، أكدت تمسكها بكامل الحقوق البحرية خارج نطاق الخط 23 ولم توافق في المقابل على استحصال لبنان على "كل المساحة البحرية الواقعة ضمن حدود الخط 23".

وكشفت المصادر لـ"نداء الوطن" أنّ الوسيط الأميركي عقد جولتين من الاجتماعات عبر تقنية "الفيديو كونفرنس” مع الإسرائيليين للتباحث معهم في مستجدات المواقف في ضوء الطرح اللبناني، وبحسب ما رشح من المعلومات، فإنهم أصروا على "تقاسم حقل قانا مع لبنان لا سيما الشق المتصل بالبلوك رقم 8 وفق الصيغة التي تنص على أن تتولّى الدولة اللبنانية عملية الاستثمار في هذا الحقل على أن يكون لإسرائيل حصة نسبية من قيمة مخزونه من الغاز والنفط وتقوم بتقاضيها من الشركة التي يتم تلزيمها هذه العملية".

عملاء اسرائيل

على صعيد مختلف، أوقفت قوة من مخابرات الجيش أمس العسكري في الجيش اللبناني ف. ح. ق في بلدته بدنايل (غرب بعلبك)، وصادرت هواتف وأجهزة إلكترونية. المداهمة جاءت على خلفية اعترافات أدلى بها م. س الذي أوقفته قوة من الأمن العام اللبناني في البلدة نفسها قبل خمسة أسابيع، بعد عملية رصد استمرت أكثر من ستة أشهر.

مصدر أمني أوضح لـ"الأخبار" أن م. س. كان محل متابعة دقيقة ويرجح أن أجهزة أمنية عدة كانت ترصد حركة اتصالاته للاشتباه فيه، وأن "سمعته الحسنة" ساعدته في "التغطية على تواصله مع العدو الإسرائيلي، علماً امتلاكه محلاً لبيع المشروبات الروحية ساعده في التواصل مع كل من هو خارج بيئة حزب الله".

وبحسب المصدر فإن "تواصله مع العدو يعود إلى ثلاث سنوات، وأن من يشغله فتاة كينية تقيم في إحدى الدول الأفريقية، وقد قدم إليها معلومات مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 300 دولار و700 دولار وصولاً إلى 1500 دولار بواسطة تحويلات مالية عبر شركة اOMT، ومصدرها دول أفريقية وأحياناً من قبرص".

المصدر الأمني كشف لـ"الأخبار" أن العدو الإسرائيلي وأمام انهيار شبكات تجسّسه الكبيرة على مدى السنوات الماضية "حافظ على ما تبقى من عملاء له كخلايا نائمة، لكنه سرعان ما عاد إلى تشغيلهم أخيراً، بالإضافة إلى تجنيده عملاء "ع السريع" عبر التواصل مع أشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأحياناً بواسطة رسائل نصية هاتفية، وطلب مهمات أمنية محددة منهم، و"ذلك على الرغم من معرفته بأنهم غير جاهزين لتنفيذها، فمن يتم توقيفه لا يأسف عليه الإسرائيلي ومن لا يتم توقيفه يتم اعتماده لعمليات أكبر، ويبدو أن التركيز الإسرائيلي بات أكبر على العنصر البشري بعد تراجع خيار المسيرات التي باتت أجهزة المقاومة قادرة على إسقاطها ما حد من حركتها".