أشارت مصادر اطّلعت على أجواء اللّقاء التّشاوري لوزراء الخارجيّة العرب في بيروت، في حديث إلى صحيفة "الجمهوريّة"، إلى أنّ "الحرص العربي الصادق على استقرار لبنان لن يخرج عن سقفه المعنوي، فلا مساعدات للبنان بمعزل عن الإصلاحات والشروط الدولية المطلوبة منه، إنما حدود هذا الحرص يتمثّل بتوجيه ثلاث رسائل أساسية:

ـ الرسالة الأولى، إلى المسؤولين اللبنانيين، بضرورة تحمُّل مسؤولياتهم في إدارة الدولة وتأليف حكومة ومنع الفراغ الرئاسي وإيجاد الحلول اللازمة للخروج من الأزمة المالية، وحضّهم على الاتكال على أنفسهم، لأنّ أحدًا لن يساعدهم في حال عدم تحمّلهم مسؤولياتهم، كون لبنان بلدهم ومن غير الجائز استمرار ​سياسة​ المناكفات على حساب البلد والناس.

- الرسالة الثانية، إلى الشعب اللبناني، مفادها انّ الدول العربية لن تترك هذا الشعب الذي يعاني من أزمة غير مسبوقة، أدّت إلى ارتفاع منسوب الفقر والهجرة، وستقف إلى جانبه وتمدّه بالدعم المطلوب، من أجل ان يتمكن من الصمود لتجاوز أوضاعه الصعبة. وجاء توقيت انعقاد اللقاء بعد الانتخابات النيابية وقبل تأليف الحكومة، بمثابة تحية إلى الشعب اللبناني الذي بدّل في نتيجة الانتخابات، وانّ الدول العربية لن تسمح بانهيار البلد وفقدانه استقراره.

- الرسالة الثالثة، إلى الدول الغربية والإقليمية بضرورة مساعدة لبنان وتحييده عن النزاعات وتوفير مقومات الدعم والصمود لشعبه. وجوهر هذه الرسالة انّ الدول العربية لن تترك لبنان لمصيره ولن تسمح بإخراجه من المنظومة العربية".

وكشفت معلومات لـ"الجمهورية"، انّ "الدبلوماسيين العرب عقدوا خارج إطار الاجتماعات الرسمية، لقاءات جانبية وبعيدة من الإعلام، مع مراجع ومسؤولين لبنانيين، في محاولة لتكوين صورة متكاملة حيال ثلاثة استحقاقات أساسية:

ـ الاستحقاق الأول، هو الانتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار الماضي، حيث أصرّ الدبلوماسيون على محاولة معرفة حقيقة التوازنات السياسية التي أفرزتها هذه الانتخابات، وما إذا كان هناك من أكثرية في يد فريق معيّن، وعلى أي أساس يمكن هذه الجهة او تلك ان تستميل هذا النائب او ذاك، وهل التموضعات هي نهائية أم انّ الاصطفافات تحصل حسب القضية المطروحة. وإلى ما هنالك من تساؤلات لمعرفة حقيقة ميزان القوى النيابي داخل البرلمان.

- الاستحقاق الثاني، هو تأليف الحكومة بعد تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب نجيب ميقاتي تأليفها، وقد وصلوا إلى خلاصة مفادها انّ حكومة جديدة قبل الانتخابات الرئاسية لن تتشكّل، لأنّ العهد لن يتنازل قبل أشهر من نهاية ولايته، والرئيس المكلّف لن يتنازل لمصلحة تشكيلة تخدم العهد وتسيء إلى صورته ودوره كرئيس حكومة محتمل في العهد الجديد.

- الاستحقاق الثالث، هو الانتخابات الرئاسية، حيث حاول الدبلوماسيون معرفة من هم المرشحون خارج إطار المرشحين التقليديين، وما إذا كان "حزب الله" سيدعم ترشيح رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، أم ترشيح رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، أم شخصية أخرى من خارج الاصطفاف السياسي. وتساءلوا حول مدى قدرة المعارضة على توحيد صفوفها وتبنّي ترشيح واحد، وانّها في حال تمكنت من ذلك هل تنجح في إيصاله. وحذّروا من الفراغ الرئاسي، كون الوضع المأزوم في لبنان لا يتحمّل مسلسل الفراغ الذي اعتاد عليه هذا البلد، وكان له مساهمة أساسية في الانهيار الحاصل".

هوكشتاين على الخط

ذكرت "الجمهورية" أنّ "على صعيد ملف ترسيم الحدود وإطلاق "حزب الله" أمس الاول 3 طائرات مسيّرة فوق حقل كاريش، أجرى الوسيط الأميركي المكلّف ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين ليل السبت- الاحد، جولة من الاتصالات الهاتفية مع بيروت، مستطلعًا ما حصل وطالبًا توضيحات ومتسائلًا عمّا إذا كان المسؤولون اللبنانيون على علم بهذه العملية، وما يمكن ان تؤدي اليه في هذه الفترة بالذات، وصولًا الى ما يهدّد سير المفاوضات التي يجريها، والتي توصلت إلى مرحلة متقدّمة في اتجاه تقريب وجهات النظر بين لبنان واسرائيل".

وأوضحت مصادر واسعة الاطّلاع لـ"الجمهوريّة"، انّ "اتصالات هوكشتاين شملت عددًا من المسؤولين اللبنانيين مدنيين وأمنيين من المعنيين بملف الترسيم، ومن بينهم نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، توجّه من خلالها اليهم بمجموعة من الاسئلة عن الأسباب التي دفعت إلى هذه العملية، ومستطلعًا رأيهم في ما جرى ومتمنيًا تبريرًا مقنعًا لما حصل".

وأفادت معلومات الصّحيفة بأنّ "السّفيرة الأميركية دوروثي شيا اتصلت بالمسؤولين اللبنانيين، مواكبة ما حصل، والتشاور في ما يمكن القيام به لحماية ما تحقق في المفاوضات الجارية، وخصوصًا انّها عادت من واشنطن بأجواء ايجابية".

بين التأليف والتصريف

على صعيد ملف التأليف الحكومي، أبلغت أوساط سياسية مطلعة الى "الجمهورية"، انّ "تشكيل حكومة جديدة يواجه عقداً غير سهلة، منها الصارخ ومنها ما هو جمر تحت الرماد"، لافتة الى انّه "لا بدّ من إيجاد مقاربة وسطى بين طلب رئيس الجمهورية ميشال عون اعتماد حكومة ثلاثينية تضمّ وزراء سياسيين، وبين طرح ميقاتي الداعي الى إبقاء الحكومة الحالية مع بعض التعديلات؛ وإلّا فإنّ استمرار تصريف الأعمال حتى الانتخابات الرئاسية قد يصبح خيار الأمر الواقع".

واعتبرت أن "من مكامن الخلل في تشكيلة ميقاتي سحب حقيبة أساسية هي الطاقة من الأرثوذكس، وإعطائهم في المقابل حقيبة المهجرين الهامشية"، مركّزةً على أنّ "العقدة الأكبر هي انّ جوهر التعديلات الوزارية المطروحة استهدف حصراً فريق عون، ذلك أنّ غالبية الوزراء المقترح استبدالهم مصنفون ضمن خانة هذا الفريق، وهم وزير الطاقة وليد فياض المحسوب على "التيار الوطني الحر"، ووزير المهجرين عصام شرف الدين الذي يمثل رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" طلال أرسلان حليف عون و"التيار"، ووزير الاقتصاد أمين سلام الذي توجد علاقة جيدة بينه وبين باسيل".

ولفتت الأوساط، إلى "محاولة استبدال هؤلاء الوزراء بأسماء هي خارج مظلة العهد و"التيار"، إذ انّ وليد سنو المقترح لوزارة الطاقة، قريب من ميقاتي، ووليد عساف المطروح للصناعة قريب من رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، وسجيع عطية المسمّى لوزارة المهجرين يحظى بدعم نائب رئيس الوزراء السابق عصام فارس، الأمر الذي يشكّل خللًا كبيرًا في توازنات الحكومة، لا يمكن أن يقبل به عون وباسيل".

كما لاحظت أنّ "من علامات الضعف الواضحة في طرح ميقاتي، إدراج الطاقة ضمن المداروة، فيما اعترف هو شخصيًا بأنّ الظرف ليس ملائمًا الآن لتطبيقها على وزارة المال، ما يؤشر إلى انّ المداورة انتقائية وانّ هناك صيفًا وشتاءً تحت سقف تشكيلة واحدة". ووجدت أنّ "الأفضل لكسب الوقت قبل الدخول في مرحلة الاستحقاق الرئاسي، هو إبقاء الحكومة الحالية مع بعض التغييرات الموضعية في صفوفها، انما يجب أن يكون التعديل متوازناً، حتى لا يبدو موجّهًا ضد طرف لمصلحة طرف آخر".

لا زيارة لبعبدا

كشفت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية"، أن "ليس هناك من موعد اليوم لزيارة ميقاتي الى قصر بعبدا، ليس لسبب سوى ان ليس هناك من جديد يتصل بعملية التأليف يشكّل سببًا لمثل هذا الموعد، وإن طرأ أي جديد يمكن ان يكون هناك لقاء في الايام المقبلة".

هل اقتربت مشاورات تأليف الحكومة اللبنانية من الحسم؟

نقل أحد الوزراء، في حديث إلى صحيفة "الشرق الأوسط"، عن ميقاتي قوله إنه "حاضر للتشاور مع الرئيس عون في أي وقت، شرط ألا تبقى المشاورات تراوح في مكانها من دون حصول أي تقدم؛ خصوصاً أن ضيق الوقت لا يسمح بتمديدها إلى ما لا نهاية"، مؤكدا أن "الرئيس المكلف لا يؤيد توسيع الحكومة برفع عدد الوزراء من 24 وزيراً إلى 30 وزيراً، من بينهم 6 وزراء دولة يتم اختيارهم من السياسيين".

ودحض "ما يتردد من أن الرئيس المكلف يتوخى من التشكيلة الوزارية التي سلمها إلى رئيس الجمهورية حشر عون في الزاوية، ليبادر إلى رفضها بغية تثبيت حكومة تصريف الأعمال وتفعيلها، بذريعة أن لا مصلحة له في تأليف حكومة جديدة"، مشدّدًا على أنّه "إذا كان مثل هذا الادعاء صحيحاً، فما على عون إلا أن يتجاوب معه لاختبار نياته حول مدى استعداده لتشكيل حكومة جديدة".

وكشف الوزير أن "ميقاتي لم يتمسك في اجتماعه الثاني مع عون بالتعديلات التي اقترحها، وأبقى الباب مفتوحاً أمام تبادل الآراء، على قاعدة عدم موافقته في الإبقاء على الوزير وليد فياض في وزارة الطاقة، واستبدال وزير آخر به ينتمي إلى "التيار"، الذي يتصرف كما يشاء من خلال وصايته على الوزارة في ملف إعادة تأهيل قطاع الكهرباء".

وأضاف أن "ميقاتي يبدي انفتاحه للتداول بأي اسم لتولّي حقيبة الطاقة، وبالتالي لا يتمسك بإسنادها إلى وليد سنو، شرط أن يكون البديل هو الشخص المؤهل لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء". وأفاد بأن "ميقاتي لا يمانع أيضاً أن يتولى وزارة الاقتصاد الخبير المالي رفيق حدادة، الذي كان عون قد سماه شخصياً ليكون في عداد الفريق المفاوض مع صندوق النقد الدولي، كما لا يمانع عدم توزير النائبين سجيع عطية وجورج بوشيكيان إذا كان إبعادهما يدفع باتجاه الإسراع في تهيئة الأجواء لتأمين ولادة الحكومة".