منذ حادثة غرق المركب مقابل مدينة طرابلس، قبل أيّام قليلة من موعد الإنتخابات النيابية، عاد ​ملف النازحين السوريين​ إلى الواجهة من جديد، حيث تبدّلت مواقف بعض المسؤولين التي لم تكن تعطيه أيّ أهميّة، لكن من الناحية العملية لا تزال غالبيّة هذه المواقف من دون خطوات عمليّة تحقق الهدف المطلوب.

في الفترة الماضية، عمد رئيس حكومة تصريف الأعمال ​نجيب ميقاتي​ إلى رفع السقف اللبناني، حيث دعا ​المجتمع الدولي​ للتعاون، محذّراً من أنه في حال عدم حصول ذلك سيكون للبنان موقفاً ليس مستحباً على دول الغرب، الأمر الذي لا ينفصل عن الأجواء السلبية التي كانت قد تلقّتها بيروت قبل ذلك، لناحية الإصرار على طرح الدمج، بحسب ما تسرب عن مؤتمر بروكسل في شهر أيار الفائت، بينما مداولات جلسة مجلس الأمن، في 29 حزيران الماضي، أكّدت على أنّ الظروف غير مؤاتية ولا تتناسب مع عودة كريمة وآمنة حسب زعمها.

ما تقدّم، يقود إلى التشديد على أنّ الرهان على موقف المجتمع الدولي، بحسب ما ترى مصادر مطلعة على هذا الملف عبر "النشرة"، لم يعد ممكناً، نظراً إلى أنّه يتعامل معه من وجهة نظر سياسية بالدرجة الأولى، ما يعني إستمرار هذه الأزمة دون معالجة، بغضّ النظر عن التداعيات التي تتركها على الواقع اللبناني، خصوصاً في ظلّ الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة المعروفة في البلاد.

أول من أمس، خرج وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال ​عصام شرف الدين​ ليتحدث عن مشروع خطّة جديدة لإعادة النازحين، تتطلب من حيث المبدأ المزيد من التنسيق مع العديد من الجهات، لكن في المضمون يتبيّن أنّه لا يرتقي إلى مستوى المعالجة، خصوصاً أنه يتحدث عن إعادة 15 ألف نازح في الشهر، بينما في لبنان ما يقارب المليون ونصف المليون منهم، الأمر الذي يدفع المصادر نفسها إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام حول الموقف اللبناني، لا سيّما أنه مع بداية المدارس لن يكون من السهل تطبيق هذه الخطّة، نظراً إلى أنّ النازحين، الذين سيكونون سجّلوا أولادهم في المدارس اللبنانيّة، لن يبادروا إلى العودة.

في حديث لـ"النشرة"، يشدّد الوزير شرف الدين على أهمّية الموقف اللبناني الرافض لطرح الدمج، ويعتبر أن المهمّ هو ما يمكن أن يوافق عليه لبنان لا ما تطرحه بعض الجهات الدولية، ويكشف عن إتصالات يقوم بها مع الجانب السوري، حيث يشير إلى زيارة سيقوم بها إلى دمشق بعد عطلة عيد الأضحى، ويتحدث عن أنه تم الإتفاق مع المسؤولين هناك على العودة الجغرافيّة، أما العدد الذي تحدّث عنه فهو الذي طرحه بينما من الممكن أن يرتفع.

يدافع الوزير شرف الدين عن مشروعه، بالتشديد على أن ليس هناك من خيارات بديلة، ويقول: "من لديه خيار آخر فليتفضل به". لكن من الناحية العملية هناك مجموعات من الخيارات البديلة التي تحتاج إلى الجرأة، بحسب ما تؤكّد مصادر متابعة عبر "النشرة"، منها فتح قنوات التواصل بشكل جدّي مع الجانبين السوري والروسي، خصوصاً أن ​موسكو​ تولي أهميّة خاصة لهذا الملف، وهي سبق أن أبدت، في العديد من المناسبات، رغبة في المساعدة، لكن لبنان لا يزال يخشى الموقف الدولي، الذي بات من المؤكد أنه لا يريد الذهاب إلى المعالجة الفعليّة.

في هذا السياق، تفيد مصادر "النشرة" بأن الجانب اللبناني تلقّى دعوة رسميّة، وجهت إلى وزير الدفاع ​موريس سليم​، للمشاركة في الدورة العاشرة من مؤتمر الأمن الدولي الذي تنظمه موسكو في شهر آب المقبل، الذي شاركت في دورته الماضية 120 دولة، وهو في الأساس يناقش كل القضايا الملحة على مستوى العالم، وحيث من المفترض أن يبادر إلى طرح هذا ملف النازحين فيه.

وتكشف هذه المصادر أن الدعوة إلى لبنان وجهت، بشكل أساسي، من منطلق أهمية ملف النازحين والخطر الذي يشكله على الواقع الداخلي، لكنها تطرح في نفس الوقت مجموعة من الاشكاليات حول كيفية التعامل مع هذه الدعوة، خصوصاً أن وزيرة الدفاع السابقة زينة عكر كانت قد اعتذرت عن المشاركة في الدورة التاسعة، قبل يوم وحد، الأمر الذي فُسر على أساس أنه نتيجة ضغوط أميركيّة، فهل سيعمد المسؤولون اللبنانيون للإستفادة من هذه القناة، خاصة أن الجانب الروسي يملك قدرة كبيرة على المساعدة فيه، بدل الإستمرار في إنتظار تبدل موقف بعض الجهات الدولية؟.