تكاد حقيبة الطاقة تكون "العقدة الثابتة" في كلّ الحكومات المتعاقبة منذ سنوات، حيث يتكرّر الحديث عنها مع كلّ "أزمة تأليف"، ولو أنّها تبقى في الغالب بين أيدي "​التيار الوطني الحر​"، الذي تناوب العديد من قياديّيه عليها، قبل أن تذهب في السنوات الأخيرة إلى وزراء "تكنوقراط" من الاختصاصيّين المحسوبين على "التيار".

ولا يبدو الأمر مغايرًا هذه المرّة أيضًا، حيث تتقاطع المعلومات عن أنّ حقيبة الطاقة تشكّل "عقدة العقد" في ضوء التشكيلة الأولية التي قدّمها رئيس الحكومة المكلف ​نجيب ميقاتي​ إلى رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، بعد 24 ساعة فقط على إنجازه الاستشارات النيابية غير الملزمة، والتي "انتزع" بموجبها حقيبة الطاقة من "التيار".

ومع أنّ "التيار" ينفي تمسّكه بالحقيبة أو رغبته بـ"احتكارها"، إلا أنّه يعتبر طريقة "انتزاع" الحقيبة منه بمثابة "استهداف مباشر" له من جانب رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، فهو أبقى "القديم على قدمه" في تشكيلته الجديدة، مستثنيًا من ذلك وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ​وليد فياض​، الذي "شُطِب" اسمه بكلّ بساطة.

فما "سرّ" هذه الحقيبة التي تشكّل "عقدة ثابتة" في كلّ الحكومات، رغم أنّها لا تجلب لأصحابها سوى السيئات في ظلّ الواقع "الكارثي" ل​قطاع الكهرباء​ في لبنان؟ لماذا يتمسّك بها "التيار الوطني الحر"، رغم اتهامه الآخرين بعدم السماح له بتحقيق الإصلاحات التي يتطلع إليها؟ ولماذا يرفض رئيس الحكومة المكلف مجرّد "النقاش" بتركها بين أيدي "التيار"؟.

وبين هذا وذاك، ما صحّة الحديث عن أن "عقدة" حقيبة الطاقة ليست أكثر من "واجهة" لأزمة تأليف "أكبر وأعمق"، بل أنّها قد تكون مجرّد "ذريعة" يتلطّى خلفها الأفرقاء المتنازعون ظاهريًا، والمتفقون ضمنًا على عدم الرغبة ب​تأليف حكومة​ في الظرف الحالي، وقبيل الدخول في استحقاق الانتخابات الرئاسية المرتقبة في تشرين الأول المقبل؟.

بالنسبة إلى "التيار الوطني الحر"، فإنّ المشكلة ليست في حقيبة الطاقة بحدّ ذاتها، ولا في أيّ حقيبة غيرها، في ظلّ عدم وجود "حماسة" للمشاركة في الحكومة من الأصل، ولكنّها تكمن بالدرجة الأولى في طريقة التعاطي "الفوقية" التي يعتمدها رئيس الحكومة المكلّف بالتعاطي، بعيدًا عن أيّ معايير واضحة أو منطقية أو واقعية.

ويقول المحسوبون على "التيار" إنّ هذه "المعايير" بالتحديد هي "الثغرة الكبرى" في التشكيلة التي قدّمها ميقاتي إلى رئيس الجمهورية، حيث "انتزع" حقيبة الطاقة من "التيار"، معللاً الأمر بمبدأ "المداورة"، التي لم تَسرِ في مفارقة لافتة، على ايّ حقيبة أخرى، حيث حافظ الجميع على "حقائبهم"، وكأنّها مكتوبة باسمهم، من دون أن يعترض أحد.

في هذا السياق، لا يتردّد "العونيون" في القول صراحة إنّ "التيار" غير متمسّك بحقيبة الطاقة، بل هناك بينهم من يهمسون أنّه لا يريدها، ولكنّه يطالب بـ"العدالة ووحدة المعايير"، مشيرين إلى أنّ ما يسري على "الطاقة" مثلاً يجب أن يسري على حقيبة "المال"، التي أعطيت مجدّدًا لحركة "أمل"، ومُنِح رئيسها "حق" اختيار مرشحه لها، خلافًا للآخرين.

وإذا كان "العونيون" يقولون إنّهم "مستعدّون" للتخلّي عن حقيبة الطاقة في مقابل حصولهم على حقيبة "المال"، من باب "المداورة الحقيقية" بين الحقائب والطوائف، فإنّ هذه المعادلة "لا تستقيم" بالنسبة إلى رئيس الحكومة المكلّف، الذي تقول أوساطه إنّ الظرف الحالي لا يتيح افتعال "معركة" من هذا النوع، في الوقت الضيّق المُتاح حاليًا.

وينفي المحسوبون على ميقاتي أن يكون بصدد "استهداف" فريق "التيار"، ولكنّهم يشيرون إلى أنّ الأخير هو الذي يبدي "ازدواجية" غير مقبولة، فهو أبدى "تعفّفًا" عن المشاركة في الحكومة، وفق ما أعلن في الاستشارات النيابية، كما أبلغ المعنيّين أنّه ليس "في وارد" منح الحكومة الثقة، إلا أنّه في الوقت نفسه "يتفنّن" باشتراط الحصص والحقائب.

ويستغرب هؤلاء إصرار "التيار" على حقيبة الطاقة تحديدًا، وهو الذي "احتكرها" منذ 17 عامًا، تراجع فيها قطاع الكهرباء إلى أدنى المستويات، وصولاً لحدّ "انعدام" التغذية بالتيار الكهربائي، رغم كلّ الوعود بتحسينها، بل إلى الوصول إلى تغذية 24/24، علمًا أنّه من يعرقل خطط إنقاذ القطاع، وهو ما تجلّى في الآونة الأخيرة من خلال السجالات بين وزير الطاقة ورئيس الحكومة.

وبين كلام أوساط "التيار" والمحسوبين على رئيس الحكومة المكلف، يبدو "الثابت" أنّ الهوة تتّسع بين الجانبين، فـ"العونيون" الذين يقولون إنّهم "حريصون" على تشكيل حكومة اليوم قبل الغد، لمواكبة المرحلة الأخيرة من "العهد"، يرفضون "استضعافهم" في سبيل ذلك، عبر فرض "الشروط" عليهم من هنا أو هناك.

في المقابل، ينطلق ميقاتي من معادلة "رابح-رابح" لرفض تقديم أيّ "تنازلات مجانية" للوزير السابق ​جبران باسيل​، فهو رئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيس الحكومة المكلف في آنٍ واحد، ولذلك فإنّ "ابتزازه" بسلاح "التوقيع الملزم" لرئيس الجمهورية على مراسيم التشكيلة لن يجدي نفعًا، ولو بقي "مكلَّفًا" حتى آخر "العهد".

هكذا، يظهر مرّة أخرى أنّ حقيبة "الطاقة" ليست سوى واجهة لخلاف "يستفحل" لا على الحكومة المُنتظرة، والتي يراهن كثيرون على أنّها لن تبصر النور، فيما المطلوب من جميع القوى السياسية مقاربة الأمور من زاوية أخرى، تفاديًا لـ"مجهول" قد تجرّ إليه السياسات المعتمَدة، إذا ما وقع "المحظور"، وحلّ الفراغ الرئاسي في ظلّ حكومة مصرّفة للأعمال بالحدود الضيّقة!.