يطل عيد الأضحى المبارك، أعاده الله على جميع اللبنانيين بالخير واليمن والبركات، وبلدنا ما زال الضحيّة الأولى، وشعبه أضاحي بشريّة يدفعون ثمن تعنّت وتكبّر جزّاريهم.

صحيح أن هذا العيد يحتفل به المسلمون والموحّدون، إلا أننا نذكره في كتابنا العزيز، في سفر التكوين الاصحاح ٢٢، وله مدلولات كثيرة في معتقدنا. رغم الاختلاف حول هوية الضحيّة المقدَّمة، ولست في وارد النقاش اللاهوتي أو الفقهي، حول هذا الموضوع، وفي الأمرين لم أبلغ سنّ الرشد، إلا أننا نتفق على الحدث، ونقرأ فيه المسارعة بتنفيذ وطاعة أمر الله، الذي جسّده ابراهيم، أب الآباء.

في قراءتي لهذا الحدث، أرى أنّ شرقنا كلّه بات ذاك الكبش الذي ذبحه ابراهيم لله. أخال نفسي أمام حدث أضحى كبير، يمتد من لبنان إلى العراق، مرورًا بسوريا وفلسطين. هذه المشهديّة تتمسّرح في أيامنا، ونعيش تضحية جماعيّة لا فرديّة، في حين أن الله لم يكلّف أحدًا في تقديمنا ذبيحة كرمى لأعين ولاة الأرض، ولا ذبيحة له، لأنّه إله محبة وسلام.

لماذا التضحية فينا في هذا الشرق ونحن أرض الوحي؟ لماذا أرض نشأة الأديان السماويّة لم يرقَ بعد الإنسان فيها إلى مستوى ما نزل عليه من وحي؟ كيف نفسّر أنّنا نصدّر للعالم الأديان وندوس فيه في الوقت عينه كرامة الإنسان؟ صراعٌ غير مقبول يدفع ثمنه الناس الطيّبون والمحبّون، الذين ولدوا لا إراديًا في هذه المنطقة، على رجاء أن يسودها يومًا سلامٌ شاملٌ وعادلٌ. يكفينا تضحية أن نبقى رهينة أشخاص مجرمين يدّعون أنّهم من أهل الدين.

فعلًا العالم يعيش أزمة أضاحي، لعدّة أسباب، لكنّنا في هذا البلد نعاني أكثر من غيرنا، على كافة الصعد والمستويات، فإلى متى يا رب ستصرف وجهك عنّا! إلى متى سنبقى ذبيحة تُقدَّم على مذبح وطن، لا يستحق ولاته، كلّ هذه التضحية؟ ألم يحن الوقت ليتوقف هذا الإجرام بحقّنا، ألم تأتِ الساعة، التي فيها ننعم بخيراتك، بدلًا من هذا الإجحاف الذي نحن فيه. شعبنا جاع وعطش، يستعطي الدواء ولقمة العيش ومقعدًا دراسيًّا، وكرامة الحياة مهانة. لم يعد عندنا أمل بالبشر الذين جعلوا منّا كباشًا لمحرقاتهم، لكن الرجاء يبقى فقط بالله الذي ينظر إلى تواضع عبيده ويستجيب لصلواتهم.

في عيد الأضحى المبارك، نجدّد التبريكات لأخوتنا المسلمين والموحّدين خصوصًا، واللبنانيين عمومًا، ونصرخ من الأعماق إليك يارب، فاستمع لتوجّعنا، وأسرع في نجاة عبيدك، الذين أذلّهم أناسٌ بطّالون، آلهة وثنية، "لها آذان ولا تسمع، لها عيونٌ ولا تبصر"(المزمور ١١٥: ٦). نحن متّكلون على رحمتك وعلى عدالتك السماويّة يا رب، فأسرع في نجاتنا، آمين.