فيما يترنّح لُبنان بَيْن "تجاذُباتٍ سياسيّةٍ"... وشُروطٍ دَوْليّةٍ تُؤخّر «الحلّ الشّامل»، تتولّد مِن الأَزمة عندنا أَزماتٌ... في ظِلالها مستفيدون ومغلوبٌ على أَمرهم!...

ولو أَخذنا على سبيل المثال، أَزمة الانتخابات الرّئاسيّة المُتوقّع أَن تلوح في أُفقنا السّياسيّ، نجد أَن ثمّة مستفيدين منها وغير مستفيدين، لا بل مُتضرّرين!.

البداية مع الرّئيس المُكلّف ورئيس حُكومة تصريف الأَعمال في آن، ​نجيب ميقاتي​، الّذي يبدو أَنّه يجد حكومته الحاليّة «كاملةَ الأَوصاف»، على ما سبق وأَعلن... ما يعني أَنَّه إِذا لم يتوافَق مع الرّئيس ​ميشال عون​ على مُلاحظات الأَخير، ويُجري التّعديلات المطلوبة، فإِنّ حُكومته لن تُبصر النُّور لا خلال الأُسبوع المُقبل، ولا خلال الأَشهُر المُتبقّية مِن العهد، بخاصّةٍ وأَنّ عُمرها بدأَ يضيق تدريجيًّا، ما يجعل حُكومة تصريف الأَعمال باقيةً حتّى نهاية العهد، وبخاصّةٍ مع بدء افتتاح الدّورة لانتخاب رئيس الجُمهوريّة المُقبِل في أَواخر آب المُقبل... وعليه فميقاتي غير مزعوجٍ البتّة مِن الأَزمة الرّاهنة!.

وأَمّا رئيس مجلس النُوّاب فهُو "مُطمئِنٌّ" إِلى الوضع الرّاهن، ويرى أَنّه سيكون بعد وقتٍ ليس بالبعيد، في موقع "القابض بقُوّةٍ" على جزءٍ لا يُستهان به مِن خُيوط إِدارة اللُعبة في لُبنان، مِن الآن وإِلى أَجلٍ غَيْر مَنظورٍ... غَيْر أَنّ برّي في صَدد تَوْجيه الدّعوة إِلى جلسة انتخابٍ لرئيس الجُمهوريّة بدءًا مِن الأَوّل مِن أَيلول المُقبل، أَي فَوْر بدء سريان المُهلة الدُّستوريّة الّتي تُجيز له ذلك...

وتزامُنًا بدا لافتًا مع أَوّل أَيّام عطلة عيد الأَضحى، أَنْ تبرز "تحميةٌ" لبعض المُؤشّرات المُتعلّقة بالاستحقاق الرّئاسيّ، فيما تغرق أَزمة تشكيل الحُكومة في مزيدٍ مِن التّعقيدات الّتي يُترجمها الجُمود اللافت في الاتّصالات، والمساعي لحلحلة الأَزمة المُتصاعِدة بَيْن رئاسة الجُمهوريّة، ورئيس الحكومة المكلّف التّشكيل. وفيما تلاشَت كُلّ التحرُّكات السّياسيّة ذات الصّلة بأَزمة تشكيل الحُكومة، بدا أَنّ ثمّة تحرُّكاتٍ بدأَت على صعيد حسابات البعض تجاه معركة رئاسة الجُمهوريّة.

وعليه، فثمّة تقاطُعٌ في المصالح بَيْن برّي وميقاتي، في مُواجَهة رئاسة الجُمهوريّة، لخَلْق تجربةٍ جديدةٍ ومِن نوعٍ آخر، تقوم على تَوْزيع اللُعبة السّياسيّة، مِن دون رئاسةٍ للجُمهوريّة هي أَصلًا أَشبه ما يكون إِلى الرّئاسة "الصُّوَريّة" المُفرّغة أَصلًا مِن الصّلاحيّات، أَو القابضة على ما تبقّى من هذه الصّلاحيّات!...

المُتضررون

مِن المُستفيدين إِلى المُتضرّرين مِن نُشوء الأَزمة السّياسيّة في لُبنان، وعلى رأس هَؤُلاء: الشّعب اللُبنانيّ، إِذ إِنّ عدم وجود حكومة "كاملة الأَوصاف" والمُواصفات، يُستتبَع بالغالب بتأخيرٍ في إِنجاز الملفّات الحيويّة والضّروريّة العالقة، والّتي أَكثر ما يُؤثّر عدم بتّها على اللُبنانيين جميعًا. وخَيْر مثالٍ على ذلك، أَنّ عدم تشكيل الحُكومة سريعًا، عقب تفجير المرفإِ المشؤُوم، في ​4 آب​ 2020، قد ترك آثاره السّلبيّة البيّنَة، على التّفاوض مع صندوق النّقد الدّوليّ، وتاليًا، فقد أَدّى ذلك إِلى استفحال الأَزمة المعيشيّة في لُبنان... وكالعادة فإِنّ الفاتورة دُفعت، وما زالَت تُدفَع، مِن كيسِ اللُبنانيّين، وعبر تجويعِهم، وسلبهم فلسات ما تبقّى لديهم من مُدّخرات!...

واليَوْم أَيضًا، ثمّة خشيةٌ مِن تمدُّد الشّلل الحُكوميّ إِلى الاتّفاق مع صُندوق النّقد الدّوليّ.

هل مِن حلّ للأَزمة؟

إِنّ المُشكِلة في الأَزمات السّياسيّة عندنا، إِنّما تكمُن في عدم اليَقين، فنحن على غير درايةٍ بعواقب الأَزمة، وما قد تصل إِليه...

كما وأَنّ التحكُّم بالأَزمة السّياسيّة لَيْس في يد فريقٍ واحدٍ، بل بَيْن أَفرقاء مُتعدّدين... وهي تاليًا، في حاجةٍ إِلى كُلّ الأَفرقاء للولوج إِلى الحلّ، إِلّا إِذا كانت في الدّستور اللُبنانيّ آليّةٌ لحلّ الأَزمة، كأَن تكون مثلًا في يد رئاسة الجُمهوريّة، أَو المجلس النّيابيّ... غَيْر أَنّ ذلك ليس في المُستطاع الآن وحتّى إِشعارٍ آخر... والحال هذه فمِن الطّبيعيّ أَن تطول الأَزمة!... وهي إِلى ذلك، تتواتر في شكلٍ مُخيفٍ، نتيجة عدم الولوج إِلى حلٍّ جذريٍّ يتطلّب دُستورًا جديدًا وعَقْدًا اجتماعيًّا جديدًا بَيْن اللُبنانيّين، يسمح لهُم بالاتّفاق على نظامٍ سياسيٍّ يحميهم مِن الأَزمات الرّئاسيّة والحُكوميّة وغيرها الكثير!...

وفي هذا الإِطار لا يُمكن إِغفال أَنّ العامل الزّمنيّ ليس في مصلحة النّاس، الجائعين والفقراء غير أَنّهُم غير مُستسلمين كليًّا بعد لنارِ جُهنّم!.

وفي الانتظار، فخَيْر الكلام ما قاله العلّامة السيّد ​علي فضل الله​ للُبنانيّين في خطبة العيد، ومفادُه أَنْ "لا خيار لكُم إِلَّا أَنْ تُقلّعوا أَشواكَكم بأَظافركم"!.