في الوقت الذي باتت فيه معظم القوى السياسية تركز إهتمامها على الإنتخابات الرئاسية المقبلة، في ظل صعوبة الإتفاق على تشكيل حكومة جديدة قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، بدأت تلوح في الأفق سلسلة من السجالات الدستوريّة التي قد تشهدها المرحلة، الأمر الذي قد يعقّد أو يسهل من مهمة الإتفاق على اسم الرئيس الجديد.

في المرحلة الراهنة، لا يزال السجال الأساسي، بالرغم من تأكيد الرئيس عون في أكثر من مناسبة أنه سيغادر القصر الجمهوري عند نهاية ولايته، يتعلق بإمكانية تسلم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئيس، حيث تبرز أكثر من وجهة نظر دستورية على هذا الصعيد، إلا أن المسألة، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة عبر "النشرة"، مرتبطة بالخلافات السياسية أكثر مما هي بالمواد الدستورية الواضحة، وبالتالي تبقى كل السيناريوهات مفتوحة حول ما يمكن أن يذهب إليه البعض على هذا الصعيد.

من وجهة نظر هذه المصادر، السجال حول هذه الأمرّ قد يعود بقوة في حال كانت البلاد ذاهبة إلى فراغ طويل على مستوى الرئاسة الأولى، خصوصاً بعد أن باتت توضع الكثير من علامات الإستفهام حول أداء رئيس حكومة تصريف الأعمال ​نجيب ميقاتي​ من قبل العديد من الأفرقاء، لا سيما بعد الموقف الذي أطلقه من عملية إطلاق "​حزب الله​" طائرات مسيرة فوق حقل كاريش، وبالتالي من المفترض إنتظار تبلور مواقف مختلف الأفرقاء في الفترة الفاصلة عن الوصول إلى ذلك التاريخ، مع العلم أن هناك من بات يطرح سيناريو جديد يتعلق بإحتمال إعلان عدد من الوزراء عن إعتكافهم عن ممارسة مهامهم.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن إستبعاد عودة السجال حول نصاب جلسات إنتخاب رئيس الجمهورية إلى الواجهة من جديد، نظراً إلى أن الظروف الإقليمية والدولية لا توحي بإمكانية التوصل إلى إتفاق سريع على الإسم المنتظر.

في هذا الإطار، تشير مصادر معنية، عبر "النشرة"، إلى أنه من المستبعد أن تترك المسألة إلى الأطر الإنتخابية الديمقراطية، وبالتالي الجلسة الأولى، التي تتطلب 86 صوتاً للإنتخاب، ستعقد من دون أي مشكلة، على قاعدة أنها من الممكن أن تكون بوابة جسّ نبض مواقف مختلف الأفرقاء، أما الجلسات التي تلي، أي تلك التي يصبح فيها الإنتخاب يتطلب 65 صوتاً، فإن مسألة إنعقادها لن تكون سهلة على الإطلاق.

إلا أنّ المصادر نفسها لا تستبعد أن يُعاد تكرار ما حصل في الإنتخابات الماضية، حيث لم يتم الإعتراف بالجلسة الأولى التي عقدت لإنتخاب رئيس الجمهورية، التي تلتها لعبة تعطيل النصاب من قبل "التيار الوطني الحرّ" و"حزب الله"، فعند الوصول إلى التسوية الرئاسيّة تمسّك رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ بمعادلة أن تلك الجلسة أقفل محضرها، وبالتالي لا يمكن إعتبارها الدورة الأولى، في الجلسة التي انتخب فيها عون، الأمر الذي حتّم حصول دورة أولى جديدة، في تلك الجلسة، لم ينجح فيها رئيس الجمهورية بالحصول على 86 نائباً.

وفي حين تذكّر هذه المصادر بنص المادة 49 من الدستور، التي تشير إلى أن رئيس الجمهورية ينتخب بغالبيّة الثلثين من ​مجلس النواب​ في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبيّة المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي، ترى أن ليس هناك ما يحول دون تكرار ما حصل مع عون في الإنتخابات المقبلة، بإقفال محضر الجلسة الأولى، أي جلسة جس النبض، والإصرار على ضرورة حصول دورة أولى في أيّ جلسة تعقد لاحقاً.

من حيث المبدأ، ما تقدم في الأعلى من الممكن وضعه في سياق الأوراق التي من الممكن أن تستخدم كنوع من الأسلحة في معركة حسم اسم الرئيس المقبل، التي قد تعزز فرضية الوصول إلى رئيس توافقي، لكن في المقابل هناك سجال دستوري آخر من الممكن أن يعود إلى الواجهة، بالرغم من وجود سابقة حصلت عند إنتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان، في حال الوصول إلى إتفاق على إسم يتطلب تعديلاً دستورياً، كقائد الجيش ​العماد جوزاف عون​ على سبيل المثال، على إعتبار أنه يصنّف من المرشحين البارزين.

في هذا السياق، تنص المادة 49 من الدستور أيضاً على أنه لا يجوز إنتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام مدّة قيامهم بوظيفتهم، وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد، لكن بحسب الإجتهاد الذي اعتمد، عند إنتخاب سليمان، تم تجاوز هذه المادة بسبب الدخول في مرحلة فراغ رئاسي، بالرغم من أن النواب بطرس حرب، حسين الحسيني، نايلة معوض وجورج عدوان أبدوا تحفظاتهم على الآلية الدستورية لانتخابه.

في المحصّلة، الإستحقاق الرئاسي المقبل قد يقود إلى مجموعة من السجالات الدستوريّة، قد لا تنحصر بالتي ذكرت في الأعلى، لكن أخطرها قد يكون ذلك الذي يتعلق بإمكانية تسلم حكومة تصريف أعمال صلاحيات رئيس الجمهورية، نظراً إلى أنه من الممكن أن يقود إلى سيناريوهات خطيرة، سيكون الإنقسام السياسي هو عنوانها الأبرز.