اما وقد ذقنا "طعم" كورونا بعد أن دخلت منزلنا لا إراديًا، فهمتُ أهميّة ما نلناه من تطعيم، حيث لم يذهب مفعوله هباء. قاومتها منذ أن حطّت رحالها لبنان، وتداريتُ إلى أقصى الدرجات، واقتحمتُ عرينها في أبشع المراحل وواجهتُ، لكنّها تسلّلت إلى المنزل خلسة دون استئذان، بسبب تراخٍ وإهمال، ففعلت فعلها، لكن لله الحمد والشكران، أننا بفضل إرشادات الطبيب والانتظام على اخذ الدواء، الذي توفّر، مع المحبة والاهتمام، عبرت عنّا بأقل أضرار ممكنة، رغم الأوجاع التي ذقناها، والآثار السارية المفعول لنتائجها.

كارثة أن يمرض الإنسان في لبنان، مصيبة المصائب أن تحتاج إلى دواء أو دخول المستشفى لإجراء فحوصات او عمليّة جراحيّة. بتنا ككهنة نستعطي الأموال لإدخال مريض إلى إحدى المستشفيات، فلا الاتّكال على وزارة الصحة أو الضمان الإجتماعي ملاذٌ أمين للمرضى مع ارتفاع الأسعار، حتى شركات التأمين دخلت بحسابات على طريقة "كما تراني يا جميل اراك"، والشعب الذي لا يملك المال يموت على أبواب المستشفيات. ناهيكم عن أسعار الفحوصات المخبريّة التي لم يعد لها سقفٌ في الكلفة، هذا اذا توفّرت، والمسؤولون عندنا يتراشقون الإتهامات، رافعين لواء النكد السياسي فيما بينهم، وآخر همهم المريض وصحته.

تفشّي الأمراض والأوبئة، يقابلها رحمة الله الواسعة. إن الله لشفوق ورحيم، يعضد البشر برحمته الغنية وإحساناته على خليقته. لولا عناية الرب ومراحمه الغنيّة، لما بقي إنسان يحدّث بعظائمه منذ أن كانت البشرية. فكما أن الشّر موجودٌ، هكذا الخير أيضًا، وبقوّة الله وعظائمه يطغى على الشر. فشكرًا يارب لخيراتك ومراحمك، التي افضتها علينا بسخاء، وبمحبتك ورأفتك أنقذت، وتنقذ، عائلات من تداعيات وباء الكورونا ومن الدخول إلى المستشفيات، التي صارت حكرًا للميسورين الذين يملكون "الدولار الطازج".

والشكر للأطبّاء الإنسانيين الذين يواكبون مرضاهم يوميًّا دون تأفّف أو متاجرة، ولكن للأسف صاروا قلّة. أما محبّة الناس واستفقادهم لبعضهم البعض، وسيلة علاج أساسية إلى جانب الأدوية، فالإنسان المحبّ يترجم محبّته افعالًا، وقد لمسنا لمس اليد محبّة الناس، من خلال الاستفقاد والعطاءات المغبوطة، ليس فقط الماديّة إنما العينيّة والمعنويّة، ومن خلال التعاون والتعاضد في الرعايا والعائلات وبعض المؤسسات، وضمن الإمكانات المتاحة، يمكننا معًا أن نخلّص إنسانًا على أبواب المستشفيات، في ظل غياب دولة بنيت على فساد، وكلّ واحد من المسؤولين يتباهى بالعفّة، ومَن أفصح منهم بذلك.

تبقى المحبة هي دواء أساسي للشفاء من كل مرض ووجعٍ وألم وحزن. "الْمَحَبَّةُ تَصْبِرُ طَوِيلاً؛ وَهِيَ لَطِيفَةٌ. الْمَحَبَّةُ لَا تَحْسُدُ. الْمَحَبَّةُ لَا تَتَفَاخَرُ وَلا تَتَكَبَّرُ. لَا تَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ لِيَاقَةٍ، وَلا تَسْعَى إِلَى مَصْلَحَتِهَا الْخَاصَّةِ. لَا تُسْتَفَزُّ سَرِيعاً، وَلا تَنْسِبُ الشَّرَّ لأَحَدٍ" (كُورِنْثُوسَ ٱلأُولَى ١٣:‏٤-‏٥).

ندائي إلى كلّ شخص، أن يقدّم المحبّة أولًا للمريض مع التفتيش عن الطبيب الإنساني، وبعده يأتي الدواء.

"وَكُلُّ مَا تَعْمَلُونَهُ، فَاعْمَلُوهُ فِي الْمَحَبَّةِ" (كُورِنْثُوسَ ٱلأُولَى ١٦:‏١٤).