خلافًا لموقفه في ​الانتخابات الرئاسية​ التي كانت مقرّرة في العام 2014، وبقيت "معلَّقة" لعامين، لم يعلن "​حزب الله​" حتى الآن، وقبل ثلاثة أشهر من انتهاء ولاية "حليفه" ​الرئيس ميشال عون​، قراره بشأن مرشحه لخلافة الأخير، حيث يتمسّك قادته بالصمت، باعتبار أنّ الحديث عن الرئاسة سابق لأوانه، ولو أنّ "البازار" فُتِح على مصراعيه في البلاد.

خير دليل على ذلك أنّ الملفّ غاب كليًا عن الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله" ​السيد حسن نصر الله​ الذي تمحور بالمطلق حول ملف ​ترسيم الحدود البحرية​ بين لبنان وإسرائيل، على وقع رسائل "المسيّرات" التي سبق أن أرسلها الحزب، وهو ملف، على أهميته وحساسيته، ثمّة من يعتبر التركيز عليه، في ذروة المفاوضات، "غطاء" للابتعاد من استحقاقات الداخل.

ومع أنّ هناك من يكاد يجزم بأنّ رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ هو المرشح "الأساسي" المدعوم من الحزب، بل مرشح قوى الثامن من آذار بالمُطلق، فإنّ العارفين بأدبيّات "حزب الله" يضعون حتى الآن كلّ ما يُحكى في إطار "التكهّنات"، وينفون أن يكون "الحزب" قد قطع أيّ "وعد" أساسًا لأيّ من الحلفاء والأصدقاء لدعمه، كما فعل مع الرئيس عون عام 2014.

إزاء ذلك، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام حول الموقف "الحقيقي" لـ"حزب الله" من الاستحقاق الرئاسي، فهل "يتبنّى" ترشيح فرنجية كما فعل مع عون، ويذهب بترشيحه حتى النهاية، مهما تطلّب الأمر، تحت شعار "فرنجية أو لا أحد"؟ وما صحة الحديث في المقابل عن "انفتاحه" على "تسوية" تريحه، وتفضي إلى انتخاب شخص "وسطي" رئيسًا؟!.

في المبدأ، وبعيدًا عن كلّ هذه التكهّنات، يتمسّك المحسوبون على "حزب الله"، أو العارفون بكواليسه على الأقلّ، بمقولة إنّ "أوان" الانتخابات الرئاسية لم يَحِن بعد، وأنّه لا يزال هناك "متّسع من الوقت" لحسم الموقف، ويؤكدون أنّه لن "ينجرّ" إلى لعبة "حرق الأسماء" التي يتعمّد البعض اللجوء إليها في هذا التوقيت، لغايات قد لا تكون "بريئة"، وتشمل ضمن "بنك أهدافها" إضعاف بعض المرشحين، المصنَّفين على أنّهم "الأوفر حظًا".

أكثر من ذلك، يستغرب بعض هؤلاء كيف أنّ هناك من "يلتهي" اليوم بالتركيز على الاستحقاق الرئاسي، فيما ثمّة الكثير من الاستحقاقات "الداهمة" قبله، والتي يجب أن تولى نصيبها من العناية والاهتمام، بدءًا من ملف تأليف الحكومة، الذي لا يفترض أن يصبح "هامشيًا"، في ضوء المخاوف من فراغ رئاسي، وصولاً إلى ملفّ ترسيم الحدود، الذي ينذر باندلاع "حرب" كما أكد السيد نصر الله في خطابه الأخير، الذي وُصِف بـ"الحربي" في الكثير من الأوساط.

وتتناغم هذه "القراءة"، في جانب من جوانبها، مع مقاربة شريحة واسعة من المتابعين، التي تعتبر الانتخابات الرئاسية "وليدة" اللحظة التي تجري فيها، ما يعني أنّها مرتبطة بالظروف المرافقة والمحيطة بها، وبالتالي فإنّ "استباق" الأحداث عبر حسمها اليوم قد لا يكون موفّقًا، خصوصًا في ضوء التوقعات بمتغيّرات كبرى على المستويين الإقليمي والدولي قد تشهدها الأسابيع القليلة المقبلة، ولا سيما بعد زيارة الرئيس الأميركي ​جو بايدن​ إلى المنطقة.

ويعتقد كثيرون في هذا الإطار أنّ "مسار" الانتخابات الرئاسية لا يمكن أن يكون "منعزلاً" عن تطورات الإقليم، بدءًا من مخرجات زيارة بايدن إلى السعودية وما يمكن أن تفرزه من تفاهمات، وصولاً إلى تطورات ​المفاوضات النووية​ بين إيران والدول الغربية، لكن قبلها "مصير" المحادثات الإيرانية السعودية، التي لا شكّ أنّ لبنان سيكون جزءًا منها، علمًا أنّ كلّ هذه العوامل من شأنه أن تحدّد ما إذا كان الاتجاه نحو "تسوية" أم "مواجهة".

رغم كلّ ما سبق، ثمّة من يؤكد أنّ "حزب الله" لن يتأخر في استخدام "ورقة" سليمان فرنجية متى دقّت ساعة الاستحقاق، لأسباب واعتبارات شتّى، أولها اعتقاده بضرورة الانطلاق من "نقطة قوة" قد يمثلها فرنجية الذي يُعتبر "الأوفر حظًا"، في حال اللجوء إلى المعايير "الديمقراطية"، أسوة بانتخابات رئيس مجلس النواب ونائبه، وخصوصًا إذا ما صدقت "التسريبات" عن "انفتاح" رئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​ نفسه على هذا الخيار.

ورغم أنّ "حزب الله" يؤكد أنّه لم يقطع وعدًا لفرنجية أو لغيره بدعمه في الانتخابات الرئاسية، فثمّة من يعتبر أنّ دعمه "تحصيل حاصل"، باعتباره "حسابًا مؤجَّلاً" منذ الاستحقاق الأخير، ولا سيما أنّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله حرص يومها على "الثناء" على فرنجية، بتوصيفه بأنّه "إحدى عينيه"، في حين أنّ العلاقات بين الجانبين لم تهتزّ، رغم قطع طريق الرئاسة أمام "بيك زغرتا" بعدما وصلت "إلى الجيب"، كما يُقال.

لكن، أبعد من استخدام "ورقة" سليمان فرنجية، ثمّة أسئلة أكبر تُطرَح عن موقف "حزب الله"، ومدى الليونة والمرونة اللتين قد يلتزم بهما في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، بالمقارنة مع انتخابات 2014، فهل يرفع شعار "فرنجية أو لا أحد" مثلاً، ولو تطلب الأمر استنساخ سيناريو "تعطيل النصاب"، إذا لم تتأمن له الأغلبية اللازمة، أم يترك الأمر مفتوحًا على "تسوية" يعمل البعض على صياغة معالمها؟.

يقول العارفون إنّ "التسوية" قد لا تكون مرفوضة بالمطلق من جانب "الحزب"، وهذا ربما هو "سرّ" صمته حتى اليوم، بانتظار نضوج ظروفها، لكنّ الأكيد أنّ لمثل هذه التسوية "شروطها"، ومن بينها أن تكون الشخصية المختارة "مقبولة" من قيادته، ولا تثير أيّ تحفظات أو شبهات لقيادته، علمًا أنّ سلوكيات بعض القوى المعارضة لا تسهّل مثل هذه التسوية برأيه، ولا سيما مع طرح أسماء يثير بعضها "نقزة" قيادة الحزب، إن جاز التعبير.

في النهاية، يؤكد العارفون بأدبيّات "حزب الله" أنّ الموقف من الاستحقاق الرئاسي مؤجَّل، وهو المنهمك في الوقت الحالي بأزمات يعتبرها أهمّ، وأولها ملف الغاز والنفط،علمًا أنّ الحزب الذي لا "يحبّذ" سيناريو الفراغ في ظلّ الظروف الحالية، والأزمات المتفاقمة،ولا سيما إذا لم تتألف حكومة في المهلة الدستورية، لن "يتردّد" في وضع كلّ أوراقه على الطاولة، متى دعت الحاجة، وإذا أصرّ خصومه على إعلانها "مواجهة"!.