لم يفاجأ احد بزيارة السفير المكلف تنسيق المساعدات الدولية في ​لبنان​ ​بيار دوكان​ الى لبنان، فالتمهيد لها بدأ منذ فترة، وجولات السفيرة الفرنسيّة في بيروت ​آن غريو​ على المسؤولين والسياسيين، فعلت فعلها في هذا المجال ايضاً، ولكن ما صدر عن دوكان نفسه خلال اللقاءات كان هو المهم.

ووفق مصادر مطلعة، حمل دوكان رسالة واضحة مشابهة لتلك التي اعلن عنها اعضاء مجموعة العمل الاميركية من اجل لبنان (ATFL) مع التأكيد على ان لبنان لم يعد اولوية بالنسبة الى ايجاد الحلول حالياً، وبالتالي لا يجب الاعتماد على الخارج لاجتراح الحلّ حالياً لانه سيأخذ بعض الوقت. ولكن المبعوث الفرنسي لم يترك الامور غامضة ومن دون بديل، اذ دعا بشكل واضح الى اعتماد الاسلوب المباشر في تسريع عجلة السيناريو الموضوع سابقاً، اي الاتفاق مع ​صندوق النقد الدولي​ وفق الشروط التي يضعها، والعمل على اقرار بعض القوانين الاساسية التي تتناسب مع هذا الاتفاق، من دون تأخير، بحيث يبقى الوضع اللبناني في الفترة المقبلة بعيداً عن التعقيدات والمفاجآت غير السارة، مع التشديد على وجوب الانتهاء من ملف ​ترسيم الحدود البحرية​ الذي يحظى ليس فقط بدعم اميركي، بل اوروبي ايضاً. وعليه، فإن دوكان المح الى ان الوضع الافضل بالنسبة الى لبنان حالياً هو بقاء الستاتيكو الحالي الذي يحظى بمظلّة دولية منذ اكثر من 3 سنوات، لجهة المحافظة على المؤسسات الامنيّة والعسكريّة قدر الامكان لضبط الاوضاع ومنعها من الفلتان المطلق، واتخاذ الاجراءات الآيلة الى الاتفاق مع صندوق النقد للسيطرة على الفلتان الاقتصادي والمالي الحاصل.

وشددت المصادر نفسها على ان "الكلمة المفتاح" في هذا المجال هي "السيطرة" وليس ايّ كلمة اخرى، وخصوصاً التغيير او الاصلاح او التبدّل الجذري، بمعنى انّ الهدف حالياً بالنسبة الى الخارج هو الابقاء على الامور تحت السيطرة، والاتفاق مع الصندوق يضمن هذا الامر، لذلك ترى الجميع يلحّ على تخطّي هذه العقبة والاسراع في اقرار القوانين وتنفيذ الشروط الموضوعة للوصول الى هذه الغاية.

ووفق ما توحي به المصادر، فإن دوكان لم يطوِ ملف الانتخابات الرئاسيّة، الا انه فُهم ان الخارج لن يرى الامور كارثيّة في حال تأخّر هذا الاستحقاق، شرط ان يكون الاتفاق قد حصل مع الصندوق الدولي، وان يكون ترسيم الحدود قد انتهى او على مشارف الانتهاء، لانّ هذا الامر من شأنه ان يعطي دفعة قوية لمسألة "ضبط الاوضاع"، مع العلم ان "بروفة" فتح الباب امام الوافدين الى لبنان من مختلف الدول وبالاخص الاوروبية والعربية، كان ناجحاً وساهم في تقوية الحجج للمطالبة بنسيان الطموحات والاهداف الكبيرة الموضوعة، والاكتفاء في الوقت الراهن ببعض الامور البسيطة التي من شأنها المساعدة على تمرير الوقت، الى ان تدق ساعة اتخاذ المواقف وايجاد الحلول، فيكون لبنان عندها جاهزاً للتطبيق والتنفيذ. اصيب البعض بـ"خيبة امل" من مواقف دوكان وكلامه، بينا توقع البعض الآخر ما حصل، وبغض النظر عن الموقفين، فإن الواقع يفيد بأن الامور في لبنان تتجه بالفعل نحو الجمود مع حرص كبير على عدم الوصول الى نقطة اللاعودة والفلتان التام، وهذا ما يحمل بحدّ ذاته تطميناً مهماً بعدم وجود اهتمام دولي ولا اقليمي باندلاع حرب بين لبنان و​اسرائيل​، اقله في المدى المنظور، مع وجوب التركيز على الشؤون الداخلية القادرة على المساعدة في عدم حصول تغييرات مفاجئة قد تؤثر على المشهد العام الموضوع للبنان، وعلى السيناريو الموضوع الذي ينتظر تسارع التطورات كي يفرض نفسه في مرحلة لاحقة.