تتجه وزارة الاقتصاد اللبنانية لترشيد الدعم عن الطحين المخصص لصناعة ​الخبز​ تمهيداً لوقفه كلياً ما سيؤدي تلقائياً لارتفاع سعر ربطة الخبز والأرجح إلى مضاعفة سعرها. وأدت ​سياسة​ دعم العديد من السلع منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في لبنان قبل نحو 3 أعوام إلى نفاد الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان من العملات الصعبة ما فاقم الأزمة المالية التي ترزح تحتها البلاد، وأدى لازدياد ظاهرة التهريب، في ظل الحدود السائبة، بشكل مفرط.

ومنذ أسابيع يصطف اللبنانيون في طوابير طويلة أمام الأفران لضمان حصولهم على ربطة خبز واحدة لكل فرد. وبحسب وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام فإن 75 في المائة من الذين يصطفون في الطوابير هم من النازحين السوريين، في وقت تذهب 400 ألف ربطة خبز يومياً لهؤلاء النازحين الذين يستفيدون من 7 ملايين دولار كدعم شهري من الاحتياطي الإلزامي للخبز.

وفي الأعوام الماضية كان يتم سنوياً دعم 600 ألف طن من الطحين بمبلغ يتراوح ما بين 20 و22 مليون دولار شهرياً، لكن ومع حصر الوزير سلام مؤخراً الدعم بالطحين المخصص لصناعة الخبز دون سواه، انخفض المبلغ الشهري المخصص لدعم الخبز إلى نحو 17 مليون دولار.

واعتبر سلام أن "سياسة الدعم القديمة التي اعتمدتها الحكومة السابقة غير سليمة وتمت بطريقة "عشوائية" وبغياب للشفافية، فالدعم بنهاية المطاف في غياب الرقابة وفي ظل التهريب والحدود غير المضبوطة يتحول سرقة واستنزافاً لاحتياطي مصرف لبنان"، لافتاً إلى أن سياسة جديدة ينتهجها "ستؤدي لرفع الدعم تدريجياً عن الخبز على أن يترافق ذلك مع دعم مباشر للطبقات الأكثر فقراً عبر بطاقات تمويلية تمكنهم من الاستفادة من مبالغ مالية محددة".

واشار سلام في تصريح لـ"الشرق الأوسط" إلى برنامج تمكن من تأمينه من البنك الدولي يقدم "قرضاً للبنان بقيمة 150 مليون دولار لتأمين الطحين المخصص للخبز لـ18 شهراً على الأقل على أن يتخلل هذه الفترة مساعدة البنك للإدارة اللبنانية على تنظيم نفسها وتطوير كفاءات تقوم بدور رقابي فاعل إضافة لجدولة وتوزيع حساب القمح والطحين على المخابز والأفران".

ووصف سلام هذا البرنامج بـ"الإنقاذي" كونه يحمي الناس من رفع الدعم الفجائي بغياب البدائل، لافتاً إلى أنه "فور إقرار القانون في الهيئة العامة لمجلس النواب قد يبدأ تطبيقه خلال 3 أسابيع باعتبار أنه يتم العمل عليه في الوزارة مع البنك الدولي منذ شهرين". اضاف "رفع الدعم كلياً عن الطحين سيؤدي لارتفاع سعر ربطة الخبز لتبلغ بالحد الأقصى ما بين 28 ألفاً و30 ألف ليرة لبنانية لأننا نقيس سعر الربطة عند حدود الدولار الواحد... وكل حديث عن أن سعرها سيبلغ 40 أو 50 ألفاً يندرج بإطار التهويل ليس أكثر".

الجرم يتصل بخرق قانون "مقاطعة إسرائيل"

حتى الآن، لم يصدر عن قُضاة المحكمة العسكرية الدائمة "فتوى" تُتيح إصدار استنابة قضائية بحق النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدّسة والمملكة الهاشمية وراعي أبرشية حيفا للموارنة المطران موسى الحاج للمثول أمام المحقّقين على خلفية نقله أموالاً وأشياء أخرى من فلسطين المحتلة، رغم وضوح مواد القانون في هذا الصدد.

وبحسب معلومات "الأخبار" فإن حالاً من التخبط تسود "العسكرية" منذ إصدار مفوّض الحكومة "بالإنابة" ​فادي عقيقي​، إشارة قضائية بإخضاع المطران لآلية التفتيش المعتمدة عند معبر الناقورة ومصادرة ما حمله وتركه رهن التحقيق، في وقت يتنقل المطران بين الصروح السياسية، بمؤازرة من البطريرك بشارة الراعي، تحت عنوان "إتاحة الفرصة للمطران لشرح موقفه".

في آخر معطيات التحقيق، تبين أن اللائحة التي عُثر عليها في حوزة المطران الحاج، تضم أكثر من 300 اسم مستفيد من الأموال التي نقلها أو كان ينقلها. وفي حين عُلِمَ أن الكنيسة طمأنت "أصحاب الحقوق" بأنها تسعى إلى "تحرير الأموال"، علمت "الأخبار" من مصادر قضائية رفيعة، أن الإجراءات القانونية "ماشية"، وأن "ما تمت مصادرته أتى لطبيعة الاشتباه بالمصدر والجهل بالهدف والنقل غير الشرعي ولكون الأموال والأشياء المرسلة ناتجة عن عمالة".

وفي حين بات الجرم المرتكب من قبل المطران واضحاً ويتصل بخرق قانون "مقاطعة إسرائيل"، يشاء البعض إدخال إشكالات قانونية تحت مسميات متعددة، كإثارة موضوع القانون الكنسي الخاص بالكنائس الشرقية الصادر عام 1990 عن الفاتيكان، والذي يمنع في المادة 1060 محاكمة الأساقفة جزائياً أمام المحاكم المدنية في الدول حيث القانون يُعد نافذاً.

غير أن نقض القانون ممكن بسهولة في حال اتخاذ عينات محاكمات جرت لأساقفة كاثوليك في عدة بلدان وإسقاطها على حالتنا اللبنانية:

محكمة كاين الفرنسية، أصدرت عام 2021 حكماً غيابياً بالسجن 15 عاماً على الكاهن اللبناني منصور لبكي بعد إدانته بتهم اغتصاب أطفال والاعتداء عليهم جنسياً. وفي الهند، واجه الأب جورج بونياه كاهن أبرشية كوزيثوراي جنوب البلاد محاكمة بتهمة استخدام خطاب كراهية خلال اجتماع عُقد عام 2021، واعترض خلاله على القيود المعتمدة من قبل الدولة خلال جائحة كورونا بما فيها إقفال الكنائس.

وفي الأرجنتين، خضع القس شابلن كريستيان لمحاكمة بتهم انتهاك حقوق الإنسان أثناء عمله في عدة مراكز اعتقال سرية خلال الحكم الديكتاتوري العسكري للبلاد خلال أواخر سبعينيات القرن الماضي.

العينة أعلاه والتي لا تحمل على الشك في إجازة القانون العام في الدول ملاحقة الأساقفة، يؤكدها أكثر من مرجع قضائي وخبير قانوني لبناني تحدّثت إليهم "الأخبار"، إلى جانب ما يرد في مقدمة الدستور – الفقرة ج "... المساواة في الحقوق والواجبات بین جمیع المواطنين دون تمایز أو تفضیل". فهل يُجاز إخضاع رئيس الجمهورية للتحقيق أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وتطبيق أحكام قانون العقوبات عليه فيما لا يصح في ما له صلة برجل دين؟

مساعي لتنفيس الاحتقان

وعلمت "الأخبار" أن ثمة مساعي لتنفيس الاحتقان تمهيداً لإقفال الموضوع، ولا سيما أن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي أصدر توضيحاً يوم أمس واستغنى عن المواجهة أي الاستدعاء بالاكتفاء بمصادرة الأموال فقط.

وقد وصلت رسالة الى الراعي بضرورة وضع حدّ لكل هذا الاستثمار السياسي كي لا تتحول بكركي الى قوة سياسية وتُدخل المقام في نزاعات لا تليق بقدسية البطريركية، بل مقابلة القانون بالقانون عبر تقديم دفوع شكلية وإثبات مصدر الأموال ووجهتها.

عقيقي يرفض إعادة الأموال المصادرة

ولا تزال ترددات تفتيش النائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية وراعي أبرشية حيفا للموارنة المطران موسى الحاج أثناء عودته من القدس، تتفاعل على المستويين السياسي والقضائي بلبنان.

وقالت مصادر مطلعة على القضية عن كثب إن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي "يرفض إعادة الأموال المصادرة" التي كان يحملها المطران الحاج وتبلغ قيمتها 460 ألف دولار، ومعدة للتوزيع على عائلات لبنانية كمساعدات إنسانية أرسلتها عائلات لبنانية فرت إلى إسرائيل في عام 2000. وقالت المصادر لـ"الشرق الأوسط" إن القاضي يعتبر أن هذه الأموال "مصدرها عملاء للعدو حسب تصنيف القانون اللبناني، وليست أموالاً خاصة للكنيسة".