سلّم وزير المال، يوسف الخليل، رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، دراسة عن توحيد معايير سعر الصرف المستعمل في مشروع الموازنة العامة لعام 2022. وهي الخطوة التي يفترض أن تسهّل إقرار الموازنة الأسبوع المقبل، بحسب الوعد الذي تلقاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من رئيس المجلس نبيه بري.

إلا أن الأمر لن يكون بهذه السهولة، إذ رجحت مصادر مواكبة عبر "الاخبار" دعوة وزير المال إلى جلسة تعقدها لجنة المال النيابية لمناقشة الاقتراحات والإجراءات التي أشار إليها في الكتاب الذي سلّمه أمس إلى كنعان، علماً بأنه وفق النظام الداخلي لمجلس النواب لا يمكن دعوة الهيئة العامة لمجلس النواب من أجل مناقشة الموازنة إلا إذا أنهت لجنة المال والموازنة دراستها، أي أنه لا يمكن أن يتفرّد رئيس المجلس بإدراج الموازنة على جدول أعمال الهيئة العامة قبل انتهاء درسها في اللجنة وإحالتها إلى الهيئة العامة.

وبحسب ما تسرّب أمس عن كتاب الخليل الموجّه إلى اللجنة، فإنه يتضمّن التوضيحات المطلوبة عن وضع المالية العامة حتى نهاية عام 2021، ومنهجية إعداد مشروع موازنة عام 2022 بما فيها سعر الصرف المُعتمد في المشروع، وكتاباً حول إعادة تقييم قاعدة استيفاء الضرائب والرسوم عند الاستيراد، وآخر يتضمّن شرحاً لبعض البنود الأساسية المُدرجة في مشروع قانون فتح اعتماد إضافي بقيمة عشرة آلاف مليار ليرة لبنانية، وأبرزها بدل نقل مقطوع للسلك العسكري، وبدل نقل موقت لجميع الإدارات العامة، وبدل ساعات التعاقد مع وزارة التربية.

وتبيّن أن "الدراسة" التي أرسلها وزير المال لم تتضمّن سوى تفسيرات حول الأرقام المذكورة في مشروع الموازنة وكأنه يرسله للمرة الأولى.

الى الأسوأ!

وتبعاً لهذه الصورة، تتوالى القراءات المتشائمة للمشهد اللبناني، وآخرها ما ورد في تقرير أعدّه خبراء اقتصاديون، وتلقّاه أحد كبار المسؤولين، حصلت "الجمهوريّة" على خلاصة له، وفيها:

- اولاً، أزمة لبنان: تدرّجت في مخاطرها وآثارها الاجتماعية، من كونها اكثر ازماته التي شهدها في تاريخه خطورة، لأن تصبح أزمة كيانية تهدد بقاءه.

- ثانياً، إن ما يزيد عن 90 % من الشعب اللبناني، بحسب الاحصاءات الحديثة لمؤسسات دولية وأممية، باتوا فعلياً تحت خط الفقر.

- ثالثاً، انّ مالية لبنان، وخصوصاً ما يتصل بالاحتياط في مصرف لبنان، وصل فعلاً الى حد الافلاس. ولن يكون في استطاعة مصرف لبنان في هذه الحالة أن يُلبّي الحاجة لتوفير وتأمين حتى أبسط الاساسيات.

- رابعاً، إن المؤشرات تُظهر واقعاً مظلماً للبنان، حيث تؤكد هذه المؤشرات، بناء على تطورات الداخل ومعطيات الخارج، أن لبنان ذاهب الى الأسوأ، والاشهر القليلة المقبلة حاسمة في تحديد مسار الامور.

- خامساً، انّ أزمة لبنان المالية والاقتصادية والاجتماعية، تفرّعت عنها ازمة هي الأخطر على وجوده، وتتمثّل في الهجرة المتفاقمة، وفي مقدمها هجرة الشباب والكفاءات واصحاب الاختصاصات العالية في شتى المجالات، حيث ان لبنان في هذا الوضع مرشّح لأن يكون مواجهة إفلاس فاضِح في شبابه وكفاءاته وطاقاته، مع ما لذلك من آثار اجتماعية كارثية.

- سادساً، انّ النظام الحاكم القائم بات أعجَز من قدرته على تقديم حلول، مع عقلية استئثارية في السلطة، تجاوزت الدستور ومؤسساته.

ويخلص التقرير الى اعتبار "انّ كسر القالب والخروج من أسر هذا النظام وعقليته، أصبح ضرورة وجودية واقعية لمستقبل لبنان. اذ يستحيل بناء دولة في ضوء الواقع القائم وانهياراته التي بدأت تُسقط ما تبقّى من مؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى".

خارج دائرة الاهتمامات

وسط هذه الاجواء، ورداً على سؤال لـ"الجمهورية"، قال مصدر دبلوماسي عربي: كان المنتظر من الاخوة في لبنان ان يدخلوا من مجموعة الابواب التي فتحت امامهم خلال السنتين الماضيتين لبلورة علاجات وإصلاحات لوضعه الداخلي، ولكن مع الأسف لم يحصل ذلك.

والمُستغرب، كما يضيف المصدر الدبلوماسي، انّ الاخوة في لبنان يطلبون مساعدة الاصدقاء والاشقاء، ولكن من دون ان يُقرنوا ذلك بجدية وخطوات داخلية تستعجل وصول هذه المساعدة، والمسؤولية هنا لا تقع على اصدقاء لبنان واشقائه، بل على لبنان، الغارق في صراع مع نفسه، وكل العالم يلاحظ التخبّط والتصادم بين السياسيين.

وكشف المصدر انه تِبعاً للأجواء العامة، وكذلك للاجواء السائدة في لبنان، وخصوصا ما يتعلق بما وصفه "التعطيل غير المفهوم لتشكيل حكومة، والارباك الذي نشهده على مسافة اشهر قليلة من استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان"، فإنّ ما يقرأ في المناخ العربي والدولي هو أن الجميع يريدون الخير للبنان وخروجه من ازمته، لكنه لا يقع حالياً في دائرة المتابعات والاهتمامات الخارجية الصديقة والشقيقة، وبمعنى أدق لم يعد في خانة الأولويات، ذلك انّ التطورات الاقليمية والدولية أرخَت بظلالها على كلّ العالم، وتُنذر بمخاوف وتداعيات على اكثر من ساحة دولية واقليمية قد تبرز في الاشهر المقبلة، حتى لا نقول في الاسابيع المقبلة. ومن هنا تتجدد دعوتنا الى الاخوة في لبنان ليُسارعوا في اعادة ترتيب ما تسمّونه في لبنان "بيتكم الداخلي".