هوَ لبنانُ، مَسيحُ العالَمِ وأمَمِهِ، الشَريدُ على مَفارِقَ البَشَرِيَّةِ. يَلتقيها، وَهيَ مُثخَنَةٌ بِجِراحِها، في نازِفيها، وَعُميانِها، وَمُخَلَّعيها، وَخلائِقِها الضالَّةِ. وَيلتَقيها بِغُربائِها، وَمَنبوذيها، وَبالمَطرودينَ مِن ذَواتِهِم فيها. كَما يَلتَقيها بِمَن جَعلوا عالَمِها أفيونَ أيِّ عَلاءٍ وَنَجاسَةَ أيِّ نَقاءٍ، وَما باتَ لَهُم أيُّ وِسعٍ في مَدى حُكمِ الأرضِإلَّا ذواتَهُم، وَهي البُعدُ لا القُربى.

شَريدٌ هوَ لبنانُ، مَسيحُ العالَمِ وأمَمِهِ، يَصرُخ بِهِم: "وَيلٌ لَكُم أيُّها المُراؤونَ، يا أولادَ الأفاعي الطارِدَةِ مِنَ الفِردَوسِ بِلَعَناتِكُم، ويا قُبوراً مُكَلَّسَةُ، مَملؤَةُ كُلَّ نَجاسَةٍ".

مُقاوِمٌ هوَ، وَحيداً؟ مَطرَحُهُ الوَحيدُ القيامَةَ. والقيامَةُ حِملُ حياةِ الألوهَةِ في جَسَدِهِ، مِن واقِعٍ تُرابيٍّ واهِنٍ الى واقِعٍأبَديٍّ، وَحدُهُ قَوَّةُ الأزَلِ. وأكثَر، ما تَشَرُّدُهُ هذا في صَحارى الوجودِإلَّا إداَنةً لِلعالَمِ الحاكِمِ بالخَطيئَةِ.

مُحَرِّرٌ هوَ، وَحيداً؟ الساكِنُ عَراءَهُ، مَسكونٌ بالجَميعِ. سُلطانُهُ الوَحيدُ التَحريرُ مِن كُلِّ سُلطانِ مَوتٍ لِمَن قامَ وإستَقامَ في مَلَكوتِهِ.

مَسيحُ العالَمِ وأمَمِهِ، كالمَسيحِ يُنيرُ الظُلُماتِ بِبَهائِهِ، فَيَقهَرُها. وَكالمَسيحِ يُثَبِّتُ في الرَجاءِ مَن رازِحٌ تَحتَ وَطأةِ تُرابِيَّتِهِ.

في غُربَةِ الأرضِييِّنَ، حَيثُ الشَرُّ مُداعِبٌ لأيديهِمِ المُلَطَّخَةِ بِدِماءِ بَعضِهِم البَعضَ، وَحَيثُالباطِلُ فَخرٌ يَقتَرِفونَهُ إرثاً مِن قَضاءٍ الى قَضاء، مَلَكوتُهُيَبقى هَذا الداخِلَ الداخِلَ، إذ هوَ لَيسَ بِصالِبِ صالِبيهِ، مَن يَموتُ حُبَّاً بالحَياةِ، لأجلِ الحَياةِ.

مِن عَلى صَليبِهِ، مُمَزَّقاً جَسَداً الى الألوهَةِ، ذائِقٌ هوَ مَرارَةَ جُحودِ العالَمِ، لَيُضَمِّدَ جِراحاتِهِ وَيَستَدخِلُها كَيانَهُ الذي هوَ فِعلٌ.

جُرأتُهُ؟ أن جَعَلَ قَضيَّتَهُ قَضيَّةَ الله في العالَمِ، لا قَضيَّةِ الإنسانِ فَحَسب.

فِيهِ الرأفَةُ، وَمِنهُ الإستِزادَةُ. حاجَتُهُ الوَحيدَةُ، يَزرَعُها في الأرضِييِّنَ: الإغتِناء بِبُنُوَّةِ الألوهَةِ، ليَصيروا عَلى أرضِهِم سُكنى الكَلِمَةِ مِقياسِ العالَمِ... أه! الكَلِمَةُ! تِلكَ التي تَغلِبُ مَنطِقَ التَسَيُّدِ والإنحيازِ والتَسَلُّطِ. تِلكَ التي تُغَيِّرُ لَتَنتَصِرَ بالحُبِّ.

هوذا جَمالُ تَشَرُّدِهِ: أن يَكونَ إتِّحادَ عَدالَةِ المَظلومينَ وإيمانِ المُستَعطينَ وَحِكمَةِ المَسحوقينَ لأجلِ البِرِّ، بإقتِحامِ المَجدِ الذي فيهِ كُلُّ الإنسِحاقِ مِن أجلِ... الحَياةِ.

إتِّحادٌ لا تَصَدُّعَ فيهِ

مُتَّحِدٌ لبنانُ بالعالَمِ، في إلتِهابِ التَمَنطُقِ بالحَقِّ، وَهوَ شَريداً أتى الى رَفضِهِ، عارِفاًأنَّهُ راجِمٌ المُرسَلينَ إليهِ، وعامِلاً فيهِ إيماناًبِفَيضِهِ، مُذ مَدرَسَةُ بَيروتَ العُظمى للشَرائِعِ، فَجرَ إنعِتاقِ التَواريخَ، والتي كانَتِ بَيروتُ "الأمَّ المُرضِعَةَ لَها"، على ما يَشهَدُ نونوسُ الشاعِرُ.

بِبَيروتَ هَذِهِ أقامَ لبنانُ للعالَمِ كَفَّارَةً عَن كافَّةِ مَعاصيهِ، التي بِها يَنكُرُ الخالِقَ والخَلقَ والخَليقَةَ.

مَسيحُ الإمتِداداتِ الرَحبَةِ هوَ، حَيثُ الَلعنَةُ لَيسَتقَدَراً؟.

ها كَلِمِتُهُ: "لا! لَستُ في عُيونِ العواصِفَ دَمعَ العُيونِ، ولا كِفايَةَ التَرَدُّدِ ولا إنصِياعَ التيهِ.

في عَينَيّ العالَمِ، أحَدِّقُ ولا أنحَني، فَفِي نَظرَتي هَزيمَتُكَ كَوَحشٍ وِقيامَتُكَ كَبَرَكَةٍ. وأنتَ لاعِني العاجِزَ عَن سَحقي بِقَدرِ تَبَدُّلِ وجوهِ صالِبيَّ، وَلَو أردَيتَ جَسَدي المُتَراميَ عَلى جُلجُلاتِكَ.

أنا الثَورَةُ: إصلِبني عَنكَ لأَستَعيدَ لَكَ إنسانِيَّتَكَ، وأقيمَ بِذاتي صُلحَكَ مَعَ الوجودِ، فَلا تَنتَهيَ ذِئباً تَنتَهيَ بإستِئذابِ جَوهَرِكَ، وَقَد قَضيتَ على ذاتِكَ، بَل تَستَعيدَ بيَ فَرَحَ ما تَقدِرُ عَلَيهِ مِن حُرِيَّةٍ. فَرَحَأنِّي أنا عَريسُ بَشَرِيَّتِكَ الجَديدَةُ، بَشَرِيَّتُكَ المُخُلَّصَةُ بيَ، فَتُقيمَ بَمَحبوبِيَّةٍ لا بُعدَ فيها لأنَّها باتَت كُلَّ ما أوتِيَ بيَ مِن عَطاءٍ، لا بِحُدودٍ وَلا بِهَوامِشَ حُدودٍ... فَلا إنتِظارات بَعدُ لَها إلَّا أنا"!.