أشارت صحيفة "الأخبار" إلى أنّ "مستقوياً بـ"الحشود" الشعبية التي حضرت إلى الديمان أمس، رفع البطريرك الماروني بشارة الراعي سقف التحدّي، بإعلانه خلالها أن المطران موسى الحاج سيواصل العمل على جمع المساعدات، وعلى الدولة رد الأموال المشبوهة والأدوية التي صودرت في حوزته".

ولفتت إلى أنّ "الراعي أدرج مطلباً جديداً يتصل بتأمين حرية تنقل المطران الحاج من الأراضي المحتلة وإليها من دون توقيفه (أو تفتيشه)، متجاوزاً القرار رقم 28 / أ ع ص / تاريخ 29 نيسان 2006، الصادر عن المديرية العامة للأمن العام كـ"مذكرة خدمة"، والذي تضمن تنظيم العمل في مركز الناقورة الحدودي، وآلية التفتيش التي يخضع لها كل الداخلين والخارجين من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة سواء كانوا عسكريين في قوات الطوارئ الدولية أو مدنيين يعملون لمصلحتها أو غير ذلك".

وأوضحت الصّحيفة أنّ "رَفْع الراعي لسقفه يعني، عملياً، سقوط المساعي التي انطلقت في أعقاب توقيف الحاج عند معبر الناقورة لحصر مهمته بالرعوية والكف عن نقل الأموال من الأراضي المحتلة. فيما لا يزال الملف يُراوح مكانه، في انتظار انتهاء النقاش "الماراثوني" لدى المحكمة العسكرية في شأن تحديد صلاحيتها في مسألة استدعاء المطران".

وجزمت مصادر على صلة بالتحقيق، بناء على المعطيات المتوافرة لديها، أن "استدعاء المطران الحاج ليس من الواضح حصوله، بسبب المظلة السياسية/ الدينية التي يتمتع بها"، مؤكدة "استدعاءه في المرة الأولى، من دون أن يحضر". ولم تستبعد أن "تكون لرفض الامتثال صلة بما بينته التحقيقات، لجهة فرضية توفّر استفادة مادية لقاء نقل الأموال ربطاً بالموجودات التي ثَبُت حيازتها من قبل المطران، فيما يبدو أن أحد الأجهزة الأمنية في صدد التوسع في التحقيقات لتشمل التدقيق في ممتلكات المطران.

وفي شأن متصل، علمت "الأخبار" أن "التحقيق في القضية محصور بالمديرية العامة للأمن العام، بناءً على الإشارة القضائية الصادرة عن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة فادي عقيقي، علماً أن النيابة العامة العسكرية لا تزال تنتظر ختم التحقيق، ليتسنى لها اتخاذ المقتضى القانوني، على الرغم من وضوح مواد القانون في ما له صلة بتحديد طبيعة الجرم الذي يشمل نقل أموال وبضائع (أدوية) من دولة مُعادية".

الراعي وقع في الفخ؟

ركّزت "الأخبار" على أنّ "مرة أخرى، أوقع رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع البطريركية المارونية في شرك أجندته السياسية، التي لا تتواءم مع تعاظم نفوذ أي طرف ماروني - حتى لو كان صرح بكركي - على حساب معراب. هكذا، ساهم القواتيون في الأيام القليلة الماضية، في تأجيج قضية المطران موسى الحاج في الإعلام وعلى وسائل التواصل، وقادوا حملة "الحجّ" إلى بكركي، لدعم مواقف البطريرك بشارة الراعي".

ولفتت إلى أنّه "ما إن دقّت أجراس الكنائس صباح أمس، حتى صمّ جعجع أذنيه، وجلس يتفرّج على الراعي يلقي عظته، بحضور قلة قليلة لا تتعدّى العشرات في ساحة الصرح. واكتفى بإرسال بعض النواب كرفع عتب. جعجع وغيره من القوى السياسية التي تدور في فلك 14 آذار، ممن رفعوا سقف مواقفهم الأسبوع الماضي، دعماً للراعي وتأكيداً على استهدافه شخصياً عبر إخراج قضية المطران من سياقها، تعمّدوا رفع منسوب الحماسة الكنسية والشعبية ونشر شعارات الوقوف مع بكركي ضد "الطغيان والهيمنة ومحاولة إسكات الصوت المسيحي".

وبيّنت أنّ "على هذا الأساس، نُظّمت أمس مسيرة حجّ شعبي إلى الديمان، بعد دعوات تبيّن أنها وهمية ولم تؤدّ سوى إلى إضعاف موقع البطريرك، وإظهاره وحيداً من دون أي سند سياسي جدّي. وهذه ليست المرة الأولى يدفع فيها جعجع وغيره من القوى، البطريرك إلى تبني تنظيم نشاط شعبي ويخذلونه بعدم الحشد له".

وذكرت الصّحيفة أنّ "في نظر الراعي، التطبيع وتلقّي أموال من العملاء باتا مسألة خلافية تفرض على المجتمع الدولي المنحاز إلى العدو الإسرائيلي والمدافع عن جرائمه الإنسانية وكل انتهاكاته، إيجاد حلّ لها. وسؤال المطران الآتي من الأراضي المحتلة عن مصدر الأموال التي في حوزته ووجهتها غير مسموح، بل تقابله حملة طائفية ممنهجة هدفها تسخيف موضوع التطبيع والحديث عن ضرورة إرساء السلام بين كل شعوب العالم".

الضغوط الخارجية تجبر السلطات اللبنانية على تطوير منظومة "المناعة" المالية

شدّدت صحيفة "الشرق الأوسط"، على أنّ "الملفات المالية تزدحم في لبنان بخلفياتها القانونية والإجرائية، بصورة استثنائية ضمن المهام "العاجلة" أمام السلطات اللبنانية، بفعل التزامن بين أولويات الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي، وبين ضرورات تنفيذ المتطلبات الواجبة في تحديث أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادرة عن مجموعة العمل المالية الإقليمية والتابعة لمجموعة "غافي" الدولية".

وأشارت إلى أنّه "إذ ينتظر أن يقر مجلس النواب في جلسة الهيئة العامة الثلاثاء المقبل، أول التشريعات التي طلبها فريق الصندوق والخاصة باستحداث تعديلات مفصلية على قانون السرية المصرفية وقوانين ذات صلة، باشرت السلطة النقدية فعلياً بإصدار تعليمات تلزم المؤسسات المالية غير المصرفية بسلسلة من التدابير والإجراءات، الآيلة إلى سد أي منافذ لمرور عمليات أو تحويلات من خلال قنواتها تقع تحت شبهات "الجرائم" المالية".

وأوضح مسؤول مالي لـ"الشرق الأوسط"، أن "الوقت المتاح ضيق للغاية لتمرير هذه الحزمة التشريعية، قبل انخراط المجلس النيابي في مواكبة استحقاق انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية بدءاً من أول أيلول المقبل، ولا سيما أن مهام الحكومة "المستقيلة" تقتصر على تصريف الأعمال بالنطاق الضيق. فيما هي تتأخر بتزويد اللجان النيابية المختصة، وفي مقدمها لجنة المال والموازنة، بالتعديلات التي التزم بها رئيسها نجيب ميقاتي على خطة الإنقاذ الاقتصادي، ولا سيما لجهة المقترحات المستحدثة لتوزيع أعباء الفجوة المالية البالغة نحو 75 مليار دولار وإنشاء صندوق خاص لتعويض مدخرات المودعين التي تتعدى خط الحماية المحدد بسقف مائة ألف دولار".

وأعرب عن خشيته من "تحول الاستحقاق الرئاسي إلى "متاهة" الخلافات الداخلية وتشعباتها الخارجية، مما سيفضي إلى تقويض الجهود المبذولة والمطلوبة لتعجيل الانتقال من محطة الاتفاق الأولي على مستوى الموظفين الذي وقعته الحكومة في أوائل نيسان الماضي، إلى إبرام البرنامج الإنقاذي والإصلاحي المعزز بتمويل بقيمة 3 مليارات دولار على مدى 4 سنوات، في حين بلغ النزف من احتياطات العملات الصعبة "الخط الأحمر" مع انحدارها دون مستوى 10 مليارات دولار".

وبيّنت أنّ "بالتوازي، باشرت السلطة النقدية بإصدار تعليمات ملزمة للمؤسسات المالية غير المصرفية، تهدف إلى تأمين انسجام هيكلياتها وأنشطتها مع متطلبات مجموعة العمل المالية الدولية (فاتف) في مجال مكافحة تبييض (غسل) الأموال وتمويل الإرهاب وتجارة الأسلحة".

المانحون للدولة المفلسة: الأمر لنا

أفادت صحيفة "الأخبار" بأنّ "عقب انفجار مرفأ بيروت في آب 2020 وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد الانفجار بيومين، أعلن المانح الدولي أنّ المساعدات ستُسلَّم من المانحين إلى المواطنين اللبنانيين المتضرّرين بشكل مباشر عبر جمعيات مجتمع مدني، كون الثقة بالدولة اللبنانية غير متوافرة. استقالت حكومة حسان دياب بعدها بأيام، ومرّت أشهر أرسلت فيها دول العالم مساعدات إغاثية للمتضرّرين بإشراف الجيش اللبناني ومؤسسات أممية. لكن في كواليس تصريف الأعمال، كانت تُعَدّ التخريجة القانونية للالتفاف على مؤسسات الدولة بهدف إطلاق :مجلس إنماء وإعمار" بديل يتألّف من - وتديره - منظّمات مجتمع مدني باسم "إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار" (3RF)".

وركّزت على أنّ "كارثة انفجار مرفأ بيروت شكّلت فرصة لبعض منظّمات المجتمع المدني، لتأخذ دوراً من أدوار الدولة في زمن الأزمات والكوارث. آنذاك، لم يجرؤ أحد من المسؤولين في الدولة اللبنانية -بسبب وقع الصدمة والاتهامات بالفساد والإهمال- على الاعتراض على تجاوز مؤسسات الدولة وقوانينها، حيال تقديم مانحين دوليين أموالاً لجهات غير حكومية، لكي تصرفها في قطاعات ينصّ الدستور والقوانين اللبنانية على أنّ الدولة المركزية تمتلك حصرية تلقّيها والإشراف على صرفها لمواطنيها".

ولفتت إلى أنّه "بالنسبة لما يسمّى "المجتمع الدولي"، مثّل الحدث- الكارثة فرصة لا تعوَّض لإجبار الدولة اللبنانية على تقبّل الوصفات النيوليبرالية، التي تقوم على تقليص دور الدولة المركزية لصالح القطاع الخاص وما بات يُسمّى "القطاع الثالث"، أي قطاع المجتمع المدني. هذا المجتمع الذي كان قد اقترح تشكيل لجنة تكاد تكون مماثلة في الصلاحيات والأدوار قبل الانفجار بثمانية أشهر، في خطة مقترحة من عشر نقاط".

وشرحت أنّ "الفكرة نصت على تلقي اللجنة المقترحة الأموال خارج إطار الدولة، والإشراف على تنفيذ البرامج والمشاريع، وتصميم آلية الإشراف على عملها من قبل المجتمع المدني نفسه. الموقّعون على الخطة المنشورة من قبل معهد كارنيغي هم أعضاء في منظمات المجتمع المدني مثل "كلنا إرادة" و"LIFE".

وأوضحت "الأخبار" أنّ "انفجار المرفأ جاء ذريعة مثالية لتطبيق المقترح، ولكن كان على أحدهم أن يقونن عملية إدخال ملايين الدولارات إلى البلد بطريقة التفافية على وزارة المالية أو المصرف المركزي، بناءً على مخرج "قانوني". وبطبيعة الحال، بما أنّ الحكومات اللبنانية المتعاقبة لطالما حوت أعضاءً مستعدّين دائماً لتقديم مثل هكذا خدمات، وُجد في حكومة حسان دياب، المصرِّفة للأعمال، من قام بإيجاد حلّ قانوني للمسألة، ليبدأ ما سُمّي "إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار - 3RF" عمله في لبنان".