"الجيش الإِلكترونيّ"، هدفه إِرهاب الخُصوم بإِطلاق الإِشاعات والأَرقام الوهميّة... إِنّه بمثابة "فخٍّ" للبُسطاء في عالم الـ "سوشيال ميديا". فلقَد بات ظاهِر مَواقع "التّواصُل الاجتماعيّ" اجتماعيًّا بَيْد أَنّ باطنها سياسيٌّ بامتيازٍ!.

ولطالما احتجّ صحافيُّون فلسطينيُّون مثلًا، على ما وصفوه بالـ "قمع الجائِر لمُحتوياتهم على فيسبوك"...

إِلى ذلك، أَسهمَت الاختراعات المُهمّة في مجال الاتّصال في القرنَيْن التّاسع عشر والعشرين في التطوُّر العالميّ، ووُصِفَت الأَقمار الاصطناعيّة بأَنّها إِحدى "المُعجِزات البشريّة" في مَجال الاتّصالات، الّتي جرَت في النّصف الثّاني مِن القرن العشرين، إِذ أَدّت دَوْرًا مُهمًّا في تطوير الاتّصالات اللاسلكيّة، إِضافةً إِلى دَوْرها الأَمنيّ بوصفها أَداةً للتجسُّس، وتحديد الأَهداف العسكريّة، وتَوْجيه الأَسلحة في الحُروب... إِلى أَن صبّ كُلّ ذلك في نهاية المطاف أَيضًا، في خانة السّياسة وفي خدمتها!.

وفي كُلّ هذه التّحوُّلات المُهمّة، كان التطوُّر الّذي يشهدُه قطاع الاتّصالات، هو المُحرّك للتطوُّر البشريّ الحَضاريّ العالميّ، ولكنّ تأثير هذا القطاع لم يكُن أَبدًا بمثل هذا العُمق والتّغيير، كما هي الحال في العُقود القليلة الماضية، بفَضْل التطوُّرات المُذهِلة الّتي سجّلتها البشريّة في مجالات المعرفة ونُظُم المَعلومات والتطوُّرات الإِلكترونيّة، وبخاصّةٍ بعد ظُهور الإِنترنت، ما أَحدث ثَوْرةً معرفيّةً اتّصاليّةً غير مسبوقةٍ، غيّرت وجه العالم.

شرخٌ سياسيٌّ

وأَمّا وسائل التّواصُل الاجتماعيّ، فقد أَدَّت دَوْرًا مُهمًّا في زيادة المعرفة والوعي، في كُلّ المجالات...

وفي هذا السّياق، قال المُتخصّص في مَواقِع التّواصُل الاجتماعيّ جوزيف يعقوب، في حديثٍ إِلى الـ"إِندبندنت عربية": "على الصّعيد السّياسيّ، ارتفعت نسبة المعرفة عند شُعوب الدُّوَل بسبب تلك المنصّات. وعلى رُغم أَهميّة هذا الموضوع وضرورته، فقد أَسهمت أَيضًا، وفي كثيرٍ مِن الأَحيان، في إِظهار الشّرخ السّياسيّ، ليس فقط ضمن البلد الواحِد، وإِنّما انعكست أَيضًا على العلاقات بَيْن الدُّوَل".

لقد وجدَت شبكات التّواصُل الاجتماعيّ نفسها، وفي كثيرٍ مِن الأَحيان، محوَر المَلامة، في غالبيّة الخِلافات السّياسيّة النّاشبة، فاتُّهِمَت بِتأجيج التوتُّرات. والخُطورة الأَكبر إِنّما هي في عدَم القُدرة على احتواء كُلّ هذه المَواضيع حتّى مِن المِنصّات نفسها.

لِذا، فبعض البُلدان يلجأُ إِلى منع بعض وسائل التّواصُل، للحدّ مِن الهُجوم على الحُكّام والمسؤولين السّياسيّين. كما وقد تلجأُ الدُّوَل، في بعض الأَحيان، إِلى إِلقاء اللَوْم على المنصّات نفسها، على اعتبار أَنّها "السّبب الرّئيسيّ" في إِشعال النّار السّياسيّة!.

حُريّة التّعبير

كما في السّياسة، وكذلك في الصحّة، نرى يوميًّا انتشار رسائل مُعارضةٍ للقاح الفيروسيّ مثلًا، أَو مُؤيّدةٍ له. وفي هذا الشّأن، لا يُمكِن لَوْم شبكات التّواصُل الاجتماعيّ وحدها، لأَنّها -بطبيعة الحال- انعكاسٌ للمُجتمع!. فكُلّ المنصّات، ورُبّما أَوّلها كان (فيسبوك)، حاول قدر الإِمكان أَن يُوصِل إِلى النّاس أَهميّة تفقُّد الصّفحات الرّسميّة مِن خِلال كُلّ منشورٍ يُجرى التحدُّث فيه عن اللقاح، مِن دون أَن يمنعوا نهائيًّا تداول المعلومات المُضادّة للقاح، لأَنّ ذلك يتعارض مع الفكرة الأَساسيّة لشبكات التّواصُل، وهي حريّة التّعبير.

وكذلك في الشّأن الخاصّ، فقد ندّدت أَمبير هيرد مثلًا، بـ "الكراهية والنّقد اللاذع" اللَذَيْن كانت هدفًا لهُما على مواقِع التّواصُل الاجتماعيّ، خلال مُحاكمتها الأَخيرة ضدّ جوني ديب، مُؤكّدةً في الوقت نفسه، أَنّها لا تلوم هيئة المُحلّفين على حُكمِها لمصلحة طليقها.وبعد مُحاكمةٍ استمرّت ستّة أَسابيع، خلص المُحلّفون السّبعة في محكمة "فيرفاكس" (الولايات المُتّحدة)، في الأَوّل مِن حُزيران 2022، إِلى أَنّ الزَّوْجَيْن السّابقَيْن، قد شوّها سُمعة بعضهما عبر الصّحافة!. وكشَفت المُحاكَمة الّتي حظيَت بتغطيةٍ إِعلاميّةٍ كبيرةٍ، وبُثّت على الهواء على شاشات التّلفزيون، تفاصيل الحياة الخاصّة المُضطرِبة للنّجمَيْن الهوليووديَّيْن، ما أَثار سلسلةً مِن الرّسائل المُهينة في حقّ المُمثّلة البالغة 36 عامًا على وسائِل التّواصُل الاجتماعيّ.

وقالت هيرد في المُقابلة الأُولى لها على قناة "إِن بي سي"، بعد انتهاء المُحاكمة: "أَعتقد أَنّ النّاس العاديّين لا يعرفون" مثل هذه الحملات... "ولكن حتّى المُتيقّن أَنّني أَستحقّ هذه الكراهية والنّقد اللاذع... ولَوْ كان يعتقد أَنّني أَكذب، فإِنّه لا يستطيع النّظر في عينيّ وأَن يُخبِرَني أَنّه يعتقد أَن التّعامل معي كان عادلًا على وسائِل التّواصُل الاجتماعيّ".

تلاعب في الأرقام؟

وأَمّا التّلاعُب في الأَرقام، وإِلى أَيّ مدًى يُؤثّر في عُقول النّاس، فيرى المُتخصِّصون أَنّ "هذا الأَمر يختلف بحسب فئات المجتمع"، إِذ مع الوَقت أَصبحَت غالبيّة النّاس واعيةً لفكرة أَنّ الأَرقام لَيْست المُؤشّر الوَحيد، وبخاصّةٍ في عالم شبكات التّواصُل، حيث تكثُر المنصّات الّتي مِن خلالها يُمكن شراء الملايين مِن "المُتابعين" (Followers) والمُتفاعِلين، بأَسعارٍ زهيدةٍ. ولكن ثمّة فئةٌ لَيْست بالبسيطة مِن النّاس، غير مُدركةٍ إِمكان شِراء الأَرقام، وبالتّالي يتأثّرون في شكلٍ كبيرٍ بها، ومِن ثمّ تُؤثّر في اختياراتهم وفي ردّات الفعل. وحتّى في عالم السّياسة، وإِن لَم يكُن ثمّة شراءٌ لأَرقامٍ وهميّةٍ، قد يلجأُ بعض السّياسيّين إِلى "تَوْظيف" ما يُسمى بـِ "الجيش الإِلكترونيّ"، الّذي تَجري مِن خلاله خلق حساباتٍ وهميّةٍ مُتنوّعةٍ، بهدَف إِطلاق إِشاعاتٍ والردّ علَيْها في شكلٍ غير مُباشرٍ، وَأَحيانًا كثيرة للهُجوم على الطَّرف الآخر، وهذه الأَرقام الوهميّة لا يستخدمها فقط السّياسيُّون، بل وأَيضًا بعض الشّركات، بهدف التّأثير أَكثر في النّاس، أَو التغلُّب على المُنافِسين مِن حَيْث الأَرقام".

وجهٌ إِيجابيٌّ

ولكن ثمّة جانبٌ إِيجابيٌّ لهذه الشّبكات الإِلكترونية، ولتَأثيرِها في تقريب النّاس من بعضهم، تبقى هذه الشّبكات وسيلةً للتّواصُل الدّائم مع الأَهل والأَصدقاء، وقد تعدّت الأَمر إِلى حدّ التعرُّف إِلى أَشخاصٍ جُددٍ، وإِدخالهم إِلى حياتنا اليَوْميّة، ولكنّ الآراء تتضارب مِن ناحية الاستخدام المُفرِط لهذه الوسائل، بخاصّةٍ وأَنّ البعض يعتبر أَنّ مُشاركة كثيرٍ مِن الأُمور مع كميّةٍ كبيرةٍ مِن الأَصدقاء هو بمثابة إِلغاءٍ للخُصوصيّة.

ويبقى أَنّ "طُرق الاستخدام يُحدّدها الفرد، لا الوسيلة"، لذا فالمطلوب القَدر الكافي مِن الوعي خلال استخدام وسائل التّواصُل الاجتماعيّ.