بدا "صادمًا" لكثيرين الموقف الذي أطلقه رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق ​جبران باسيل​ في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، حين أعلن أنّه لا يرى "مبرّرًا" لدعم رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ في انتخابات ​رئاسة الجمهورية​، وتحدّث عن "فارق" بين شخص لديه نائب واحد، في إشارة إلى فرنجية، وآخر لديه 20 نائبًا.

فاجأ هذا الموقف الكثير من المتابعين، بعد "تسريبات" تكثّفت في الأسابيع القليلة الماضية حول "اقتناع" باسيل بدعم فرنجية بنتيجة "وساطة" قادها "​حزب الله​"، الذي نجح في تقريب "المسافات" بين الرجلين، منذ الإفطار الرمضاني الشهير الذي جمعهما برعاية الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وما تلاه من "تقارب" بين الجانبين.

أكثر من ذلك، ما بدا لافتًا في حديث باسيل الأخير تمثّل في "إيحائه" بأنّ "حظوظه الرئاسية" مفتوحة، وليست مقفلة كما يصوّرها البعض، حيث اعتبر نفسه "مرشحًا طبيعيًا"، بوصفه مارونيًا ورئيس أكبر تكتل على حدّ وصفه، وأنّ العقوبات الأميركية ليست حائلاً أمام ترشحه، ولو قال في الوقت نفسه إنه "لا يجد نفسه" في معركة الرئاسة الحاليّة.

إزاء ذلك، تُطرح العديد من علامات الاستفهام عن "فحوى" موقف باسيل، فلماذا قال ما قاله؟ وهل قطع بموقفه هذا طريق بعبدا أمام فرنجية، خصوصًا أنّه تعمّد تصوير نفسه "الناخب الأول" في انتخابات الرئاسة، وبالتالي "ممرّها الإلزامي"؟ وما مدى صحة التحليلات التي أشارت إلى وقوف "حزب الله" خلفه في هذا الموقف، الذي جاء عبر إعلامه أساسًا؟.

لعلّ "الثابت" من حديث الوزير باسيل أنّه حسم أمر "عدم دعمه" لفرنجية بعد كلّ ما أشيع في الآونة الأخيرة بخلاف ذلك، رغم "التحسّن النسبي" في العلاقات بين الجانبين، منذ الإفطار الرمضاني، الذي استُتبِع بهدنة إعلامية وتنسيق سياسي في العديد من المحطّات، وآخرها انتخابات هيئة مكتب مجلس النواب، حين دعم "المردة" ترشيح النائب الياس بو صعب مثلاً لموقع نائب رئيس البرلمان، والنائب آلان عون لموقع أمانة السرّ.

ويتحدّث العارفون عن اتصالات تكثّفت بالفعل بين الجانبين في الآونة الأخيرة، وصلت إلى "ذروتها" مع اللقاء الشهير الذي جمع عضو "التكتل الوطني المستقل" النائب فريد هيكل الخازن، وهو المقرّب من فرنجية، مع باسيل، والذي قيل إنّه جاء لـ"جسّ النبض" تمهيدًا للقاء يجمع بين فرنجية وباسيل في وقت لاحق، ولو أنّ البعض قلّل من شأنه، ووضعه في خانة اللقاءات الطبيعية، التي كان يُعَدّ لها منذ ما قبل فترة الانتخابات النيابية الأخيرة.

في هذا السياق، ثمّة من يشير إلى أكثر من "فرضية" خلف إعلان باسيل عدم تأييده لفرنجية في الرئاسيات، قد يكون أهمّها أنّ "مفاوضات" جرت خلف الكواليس، لم تفضِ إلى نتيجة، حيث يقول البعض إنّ رئيس "التيار الوطني الحر" وضع بعض "الشروط" على "بيك زغرتا" لدعمه في انتخابات الرئاسية، تجعل منه "عرّاب العهد" إن جاز التعبير.

ويلفت المقتنعون بهذه الفرضية إلى أنّ فرنجية لم يجد نفسه قادرًا على الموافقة على "شروط" باسيل، التي من شأنها أن تجعل منه "رئيس ظلّ"، وتعيد بالتالي "السيناريو" نفسه الذي أحاط بـ"عهد" الرئيس ميشال عون، وهو ما أدّى إلى "الافتراق العلني"، ولا سيما أنّ فرنجية يطمح لتصوير نفسه مرشحًا مقبولاً من الجميع، وليس لفريق ضدّ آخر، كما يقول.

لكن، ثمّة في المقابل، من يطرح "فرضية" أخرى، وتتمثّل في أنّ باسيل "غير جاهز" لخيار دعم فرنجية، ولا سيما أنه يعتبر نفسه "أحقّ منه" بالوصول إلى بعبدا، نظرًا للحيثية الشعبية والنيابية التي يمتلكها، وهو يرى أنّ الانتخابات النيابية "أضعفت" حظوظ فرنجية، وأنّ على الأخير أن يقف إلى جانب باسيل، لا العكس، أو أن يختارا سويًا في أفضل الأحوال مرشحًا مشتركًا.

ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى القول إنّ باسيل وجد صعوبة في إقناع جمهوره بما ليس مقتنعًا به أصلاً، وخصوصًا بعد تعبئة هذا الجمهور على مدار سنوات ضدّ فرنجية، الذي خاصم "العهد" إلى حدّ بعيد، وبالتالي من غير الممكن ولا الجائز، أن يعلن "التيار الوطني الحر" فجأة دعمه للرئاسة، بعدما كان واحدًا ضمن فئة من بات يشار إليهم بمصطلح "ما خلّونا".

لكن، بعيدًا عن هذا الاسم أو ذاك، ثمّة من يعتبر أنّ "الرسالة الأهمّ" التي أراد باسيل إيصالها من خلال حديثه الإعلامي الأخير، تمثّل في أنّه بات "الناخب الأول" في انتخابات رئاسة الجمهورية، وإنّ المرور يجب أن يتمّ من خلاله في كلّ الأحوال، بمعنى أنه يمتلك سلفًا حقّ "الفيتو" على أيّ مرشح لا يكون موافقًا عليه، بالنظر إلى "الحيثية" التي يمتلكها.

ولعلّ ما كان لافتًا في هذا الإطار هو حديث باسيل عن إمكانية "اتفاقه" مع فرنجية على مرشح معيّن، أو حتى مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​، مستفيدًا ربما من استحالة "التقاطع" بين فرنجية وجعجع، ما يعني أنّه باتفاقه مع جعجع أو فرنجية، سيكون المحدّد الأول لمسار السباق الرئاسي، سواء أخذ طابع التسوية أو المواجهة.

ولعلّ الرسالة "المضمرة" التي أراد باسيل إيصالها تكمن في أنه يمتلك نقطة قوة مضافة، وهي علاقته بـ"حزب الله"، علمًا أنّ هناك من قرأ صدور هذا الموقف تحديدًا من قناة "المنار" تحديدًا، رسالة من "حزب الله" أيضًا في هذا الاتجاه، بل ثمّة من "اجتهد" في اعتبارها رسالة إلى فرنجية، بضرورة التوافق مع باسيل على مقاربة موحّدة للاستحقاق.

بمعزل عن كل التفسيرات والتحليلات التي قد تصيب أو لا، فإنّ الأكيد أنّ باسيل خلط باكرًا أوراق الاستحقاق الرئاسي. فحتى لو كان الوقت لا يزال مبكرًا للحديث عن قطعه "طريق بعبدا" على فرنجية، وفق ما يرى البعض، ممّن يراهنون على ربع الساعة الأخير في تغيير كل المعطيات، فإنّه فرض نفسه "الناخب الأول"، ولعلّ هذه بالتحديد هي رسالته الأهم!.