لا تزال قضية ملاحقة النائب البطريركي الماروني على القدس والأراضي الفلسطينية وراعي أبرشية حيفا للموارنة المطران موسى الحاج تتفاعل في الأوساط السياسية والإعلامية، بعدما أرادتها جهات وازنة ورقة توت تغطّي بها ارتكابات ممارسي التطبيع المقنّع مع العدو الإسرائيلي، معتبرة أنه يطبّع بحكم عمله الكنسي بإرادة الفاتيكان وبكركي، حرصاً منه على بقاء المسيحيين، على أرض فلسطين.

ولفتت صحيفة "الاخبار" الى انه لحماية هذا التطبيع استخدم حُماة المطران الحاج القرار الصادر عن القاضي فادي صوان، في أيار الماضي، والذي منع بموجبه المحاكمة عن الحاج استناداً إلى القانون 1060 الصادر عن مجموعة الكنائس الشرقية عام 1990 والذي وقّع عليه لبنان عام 1991، وينصّ على أنه يعود للحبر الروماني من دون سواه الحق بمحاكمة الأساقفة في الدعاوى الجزائية، بالتالي لا يحق لأي سلطة مدنية كانت أو عسكرية أن تحاكم أي مطران في قضايا جزائية، واتهام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي بمخالفة القرار والمطالبة بتنحيته.

إلا أن قرار القاضي صوان، سبقه قرار للهيئة الاتهامية في بيروت يؤكد جواز ملاحقة رجال الدين أمام المراجع الجزائية في القضاء العدلي بشأن جرائم منصوص عنها في قانون العقوبات من دون الحاجة إلى إذن مسبق من المرجع المختص، استناداً إلى مواد قانون الكنائس الشرقية ذاته التي ألغت مفاعيل مواد قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية الصادر عام 1950.

ففي مطالعة للهيئة الاتهامية عام 2018 (المؤلفة من ماهر شعيتو رئيساً وجوزف بو سليمان وبلال بدر)، حصلت "الأخبار" على نسخة منها، رداً على دفوع شكلية مقدّمة من المُدعى عليهم المطران جوزف معوض والخوري جوزف نخلة وبنك الاعتماد اللبناني، تقول إن معوض ونخلة يطالبان بعدم ملاحقتهما من دون الاستحصال على إذن من رئيسهما استناداً إلى مواد قانون الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية الصادر عام 1950 وما يليها من أصول المحاكمات لدى الطوائف الكاثوليكية، علماً أن هذه القوانين ألغيت بموجب مجموعة قوانين الكنائس الشرقية التي صدرت وأصبحت نافذة عام 1991.

وبالعودة إلى قانون الكنائس فهو لا يتضمن أي مادة تشترط الاستحصال على إذن من الرئيس المختص قبل ملاحقة ومحاكمة المطران والخوري جزائياً أمام المرجع الجزائي المختص في القضاء المدني أسوة بما كانت تنص عليه مواد قانون الأحوال الشخصية عام 1960. كما أن قانون الكنائس الشرقية حصر في أبوابه المحاكمات وفرض العقوبات في الجرائم في الكنيسة أي في الأمور الكنسية والدينية، مما يؤكد أن ملاحقة المطران والخوري أمام المراجع الجزائية المختصة لا تحتاج إلى إذن من المرجع الروحي المختص.

12 ألف ماروني في عهدة أبرشية حيفا والأراضي المقدسة

بدورها، ذكرت "الشرق الاوسط" الموارنة الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة يُعتبرون أقلية، إذ لا يتجاوز عددهم 10 آلاف يتوزعون على عدد من المدن، فيما تضم حيفا أكبر تجمع لهم. ويتبع هؤلاء للبطريركية المارونية، ومقرها الرسمي في لبنان، الذي يعيش فيه أكبر عدد من الموارنة، يصل لحدود 900 ألف نسمة.

وشكلت الحادثة التي تعرض لها المطران موسى الحاج، النائب البطريركي العام للموارنة على القدس والأراضي الفلسطينية، عند الحدود اللبنانية مع إسرائيل، خلال عودته من زيارة رعوية، حيث جرى تفتيشه والتحقيق معه ومصادرة أموال ومساعدات شتى كان يحملها، سابقة في تاريخ الكنيسة المارونية، حيث إن عبور المطارنة من لبنان إلى الأراضي المحتلة والعودة منها، رغم أن القانون اللبناني يمنع ذلك على المواطنين الآخرين، أمر يحصل منذ عشرات السنوات.

المطران ​بولس صياح

واكد النائب البطريركي العام، المطران بولس صياح، الذي أسس أبرشية حيفا والأراضي المقدسة، وشغل لـ16 عاماً موقع رئيس أساقفة حيفا والأراضي المقدسة والنائب البطريركي على فلسطين والقدس والأردن، أن تنقله عبر الحدود بين لبنان والأراضي المحتلة كان طبيعياً جداً، ولم يخضع يوماً للتوقيف أو التفتيش، مضيفاً: "الجميع كان متعاوناً حتى في زمن الاحتلال السوري، وهو ما كان يسري أيضاً على مطران صور الذي كان موكلاً بهذه المهام قبل تأسيس الأبرشية، وكان يتنقل بين لبنان والأراضي المحتلة حتى قبل عام "1948.

واوضح صياح في تصريح لـ"الشرق الأوسط" أنه كان يوجَد في مقر الأبرشية في حيفا بقدر ما يستلزم ذلك من الوقت، كما في لبنان، بحسب ما تستدعيه مهامه، وكان يستقل سيارة عادية حتى الحدود، وتنقله بعدها قوات "اليونيفيل" إلى الأراضي المحتلة، وفي طريق العودة يستقل سيارات القوات الدولية حتى الحدود مع لبنان، لافتاً إلى أن هناك نحو 12 ألف ماروني في فلسطين والأراضي المحتلة.

ورداً على سؤال، اشار صياح إلى أنه في المرحلة التي كان فيها مطراناً على المنطقة كان هناك نحو 3000 لبناني ممن لجأوا إلى إسرائيل خلال الحرب، وأضاف: "لم نميز يوماً ما إذا كانوا مسيحيين أو غير ذلك، وكنا ننقل الأموال والمساعدات والأدوية للعائلات الموجودة في لبنان، وإن كان بحجم أقل، خصوصاً الأدوية، لأنه لم تكن لدينا أزمة دواء".

الأب عبدو أبو كسم

بدوره، استغرب رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام، الأب عبدو أبو كسم، توقيت توقيف المطران "علماً بأن تنقل المطارنة عبر الحدود اللبنانية - الفلسطينية ليس جديداً، ويعود لسنوات وسنوات إلى الوراء"، لافتاً إلى أن "ما يحصل يؤكد أن هناك مَن لا تعجبه مواقف البطريرك الراعي، لذلك يسعى لتوجيه رسائل له من خلال توقيف المطران الحاج".

واضاف أبو كسم لـ"الشرق الأوسط": "لا صندوق بريد لدى البطريرك الراعي، وبابه مفتوح دائماً لكل طارق. وبالتالي إذا كان هناك قرار جديد في التعاطي مع موضوع تنقل المطارنة، كان الأجدى إرسال كتاب للبطريركية لإبلاغها بالمستجدات أو إرسال موفد ما... أما ما حصل فيشكل إهانة للبطريرك لا يجوز السكوت عنها، علماً بأننا أكثر الحرصاء على عدم الاستثمار بالحادثة، لأننا نعي أن الموضوع خطير، ما يوجب إعادة الأمانات التي تم احتجازها لأصحابها، وطي الملف".