منذ الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف، قرر حزب "​القوات اللبنانية​" الإنتقال إلى التركيز على الإنتخابات الرئاسية، على أساس أن عمر الحكومة الإفتراضي لا يستحق الذهاب إلى معركة غير مضمونة النتائج، الأمر الذي قاده إلى عدم تسمية أيّ شخصية في تلك الإستشارات، بالرغم من الإتصالات التي كان يقوم بها مع "الحزب التقدمي الإشتراكي".

من حيث المبدأ، أيّ رهان "قواتي" على الإستحقاق الرئاسي يتطلب الإتفاق مع مختلف قوى المعارضة البرلمانية، من "الإشتراكي" إلى النوّاب المستقلين والتغييريين وصولاً إلى النواب الذين يدورون في فلك تيار "المستقبل"، من دون تجاهل دخول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على الخط.

في هذا السياق، تتوقف مصادر متابعة، عبر "النشرة"، عند السجال الذي حصل، في الأيام الماضية، بين "القوات" و"الإشتراكي"، على خلفيّة مواقف الأخير من الإستحقاق الرئاسي بشكل أساسي، بعد أن أشار إلى أنه يريد "برنامجاً واضحاً في كافة الملفات، وإذا لم يتوفّر أيّ برنامج واضح لأحد المرشحين، لن ننتخب أحداً"، إلا أن الأبرز يبقى قوله "أُقدّر عائلة فرنجية وإذا قدّم سليمان فرنجية برنامجاً متكاملاً، فقد نقبل به".

هذا الكلام، الذي يعتبر تطوراً في موقف رئيس "الإشتراكي"، الذي كان قد أعلن، قبل الإنتخابات النيابية، أنه لن يصوت لصالح رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل أو رئيس تيار "المردة"، من وجهة نظر المصادر نفسها، يؤكد أن الرجل ليس في وارد الدخول في "مغامرة" غير محسوبة النتائج في ظل الأوضاع الراهنة، بل على العكس يفضل الذهاب إلى تسويات جديدة، الأمر الذي استدعى رداً حاسماً من قبل النائبة ستريدا جعجع، التي دعته إلى "احترام شعور وخيارات أكثريّة المسيحيين، التي عبّروا عنها في الإستحقاق الإنتخابي الأخير"، متوجهة له بالقول: "نحنا ما حدا بياكلنا حقنا".

في هذا الإطار، لا يمكن قراءة مواقف جنبلاط من دون التنبّه إلى العلاقة المميّزة التي تجمعه مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي يفضّل دعم ترشيح فرنجية في حال كانت الظروف مساعدة له، بالإضافة إلى عدم حماسة رئيس "الإشتراكي" إلى تعزيز موقع رئيس "القوات" ​سمير جعجع​، لا سيما أن العلاقة بينهما كانت، طوال الفترة الماضية التي سبقت الإنتخابات النيابية، مدار أخذ ورّد، بينما موقف النائبة جعجع يوضع في سياق السعي إلى تعزيز هذا الموقع.

وفي حين كانت بعض الأوساط السياسية رسمت علامات إستفهام حول عدم مساهمة "القوات" في تأمين الحشد اللازم، خلال اللقاء التضامني مع بكركي على خلفية قضية راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية بالطائفة المارونية المطران موسى الحاج، الأمر الذي فُسّر على أنه يعود إلى الإختلاف في مقاربة الإستحقاق الرئاسي، في ظلّ سعي البطريرك الراعي إلى أن يلعب دوراً أساسياً في هذا الإستحقاق، تعتبر المصادر المتابعة أنه لا يمكن تجاهل الموقف الذي أعلنه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، أول من أمس، من الإستحقاق الرئاسي.

بالنسبة إلى هذه المصادر، تفضيل الحريري لفرنجيّة لا يحتاج إلى الكثير من الشرح، لا سيما أنه كان قد ذهب إلى تبنّيه في الإستحقاق الماضي، قبل أن يعود إلى القبول بتبنّي ترشيح الرئيس الحالي ميشال عون، وترى أنّ إعلان رئيس الحكومة السابق أنّه "لن يتدخل في أيّ استحقاق أو مشروع سياسي"، يُضعف أيضاً أوراق "القوات"، خصوصاً أنّ النوّاب الذين يدورون في فلكه يميلون إلى التموضع إلى جانب قوى الثامن من آذار في معظم الأحيان، لكن هذا الإعلان ربما يعود إلى الرغبة في تجنّب أي ضغوط خارجيّة عليه.

على هذا الصعيد، تلفت المصادر نفسها إلى أنه في الآونة الماضية عاد الحديث عن إعادة ترتيب البيت السنّي الداخلي، لا سيما في ظلّ غياب تأثير هذا المكون عن الإستحقاقات الأساسية، الأمر الذي كان السفير السعودي وليد البخاري قد سعى إليه بعد الإنتخابات النّيابية، لكن ما ينبغي التوقّف عنده هو الزيارة التي قام بها البخاري إلى البطريرك الماروني، في الأيام الماضية، التي فُسرت على أساس أنها تأتي لدعم مواقفه من قضية المطران الحاج.

في المحصّلة، بعيداً عن معادلة أن العوامل الخارجيّة في الإستحقاق الرئاسي أكبر من المحلّية، لا يبدو أن "القوات" يملك القدرة على التأثير في مواقف قوى المعارضة، بل على العكس من ذلك السعي إلى التفاهم قد يدفعه إلى تقديم تنازلات كبيرة، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عما إذا كان من الممكن أن يذهب إلى خطط بديلة؟.