الحمد لله ان الخارج الذي يتحكم بمسار الامور في لبنان، لا يرغب بالفوضى الشاملة، والا لكان وضع الجيش اللبناني ايضاً على مذبح التضحيات التي يقدمها في لبنان. صحيح ان وضع العسكريين ليس بأفضل حالاته، ولكن القرار متّخذ بتأمين الحدّ الادنى من مقومات العيش لهم، ليس محبة بهم بطبيعة الحال، انما لضمان الاستقرار الامني وعدم الوصول الى الفلتان والفوضى القاتلة.

تخطى الجيش عقبات عديدة في مسيرة الذلّ والقساوة التي يعيشها لبنان منذ اكثر من ثلاث سنوات، وتم وضعه في "قفص الاتهام" اكثر من مرّة في محاولة لاحراجه وربما لاخراجه من المعادلة القائمة وقوامها الفوضى السياسية والاقتصادية والمالية مقابل الاستقرار الامني، غير انّه كان يخرج كل مرة من هذه المواجهات فائزاً، ويثبت مرّة جديدة انه قادر على الاستمرار في القيام بمهامه بإمكانات متواضعة جداً. ولكن، الى متى يمكن الاستمرار بهذا الوضع القائم بالعيش على الهبات والمساعدات الغذائية والطبية واللوجستية والتي يتم تقسيمها لتمرير الايام؟ ماذا لو كان يحقّ للعسكريين ان يتصرفوا على غرار موظّفي الدولة الذين اعلنوا الاضراب؟ لا شك ان لسان حال كل ضابط وعسكري هو عدم القبول بما يعيشه، ولكن ما البديل بالنسبة اليه؟ لا يمكنه الاعتراض ولا يمكنه الاضراب ولا يمكنه ابداء الرأي...

واكبت قيادة الجيش تطورات الاوضاع الحياتية في لبنان، وتساهلت عند اللزوم مع بعض الامور لجهة اعتماد "الليونة" في بعض القوانين، خصوصاً لجهة السماح بالقيام بأعمال خارج الدوام، كي يحاول التكيف مع المتطلبات الناريّة اليومية لتأمين العيش، انّما لا يزال هناك الكثيرون باتوا يرغبون في ترك الحياة العسكريّة للبحث عن حياة افضل في لبنان وخارجه، وهذا مؤشّر خطير إن دل على شيء، فعلى ان تأزم الاوضاع لا يبشر بالحلول على عكس ما كان يرجوه البعض ويدعو اليه على قاعدة "اشتدّي يا ازمة تنفرجي"، لانّ اشتداد الازمة اكثر من ذلك يعني "فورة البركان"، وفي غياب قدرات الجيش والقوى الامنية، من سيقف في وجه هذه الثورة، ومن يضمن ما ستؤول اليه في البلد والمنطقة ككل؟.

لحسن الحظ، كان الجيش، ولا يزال، الضوء الذي يلوح في عتمة الفساد وظلمة المآسي، ولا يجب في اي حال من الاحوال التفريط بهذا الضوء، وعلى الداخل قبل الخارج ان يعمل على تحصين المؤسسة العسكرية وتقديم كل ما يلزم في سبيل الحفاظ عليها، لان في ذلك مصلحة لكل لبناني وكل مقيم في لبنان الى اي طائفة او جهة انتمى، ولا بد من العمل بالحاح، على إبعاد المؤسسة العسكريّة عن المهاترات والمناكفات، ولو ان اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون اصبح في بازار الاسماء المطروحة لرئاسة الجمهوريّة، وكل يوم يحمل معه نسبة مختلفة من التأييد او الاعتراض على وصوله الى قصر بعبدا، منها بهدف احراق الاسم وازاحته من السباق، ومنها بهدف التأييد الصادق لسبب او لآخر. وبغض النظر عن فرص وحظوظ وصول العماد عون الى الرئاسة، يبقى الهمّ الابرز القدرة على تخطّي العسكريين للصعوبات، والعمل على تلبية حاجاتهم وعائلاتهم اليوميّة على الصعد المعيشيّة والماليّة والطبّية والغذائيّة... وهو امر سيبقى على صدور هؤلاء في عيد الجيش، وما بعد هذا العيد، وقبل الاستحقاق الرئاسي وما بعده، ولا يجب الاستخفاف به لانه كما ذكرنا سيكون محطة مفصلية في تاريخ لبنان، وسيؤدي في حال التفريط بأوضاع الجيش، الى ما لا تحمد عقباه، ويبقى الدعاء الوحيد الا يرى الخارج مصلحة في الوصول الى هذه النقطة، لان الاعتماد على الداخل والاطراف اللبنانيّة فقط لن يؤدّي سوى الى المزيد من العقبات والمشاكل، وفق ما تعلمه اللبنانيون من التجارب السابقة.