الأول من آب تاريخٌ يذكّرنا بدماء الشهداء الذين سقطوا ورووا أرض هذا البلد دون تمييز أو استثناء. تاريخ مجيدٌ يستحق أن ننحني أمامه لنحيّي كوكبة من الأبطال الذين بذلوا الغالي والنفيس لحماية بلادهم والذود عن عَلَمِه. تاريخٌ يجعلنا نقفز فوق التاريخ. فالأول من آب تاريخ عيد جيشنا، جيشنا الذي يخدم حلم الوطن الذي ننتظره.

وعلمُه هو رمز الوطن وهو الراية والشعار، اللذان يُعبّران عن الوطنيّة والانتماء. هو الخيمة التي يستظلّ بظلّها اسم الوطن، والواحة التي تأوي إليها القلوب والأفئدة. عند رؤية العَلم يُرفرف عاليًا يشعر المرء بأنّه في حمى وطنٍ. للأسف باتت أعلام كثيرة ترفرف في سماء بلادنا وتطغى على عَلم وطننا. ومع هذا نرى جيشنا مُلزمًا بحماية ما تمثّل هذه الأعلام للحفاظ على السلم الأهلي وحماية التنوّع، الذي لم يعد نعمة كما كان سابقًا، بل نقمة، بسبب من الروح الطائفيّة والمذهبيّة والمناطقيّة. وكلّنا ثقة في قدرة جيشنا على حماية هذا التنوّع.

إذا تمعّنا وتعمّقنا في شعار الجيش، يتصدّره عبارة الشرف، فهذا دليلٌ على أن جيشنا حاز هذا اللقب بسبب أعماله المجيدة الرافعة لاسم وطننا. أمّا التضحية فهي صفة سماوية، فما من أحد يبغى التضحية المجّانية، لولا إيمان عناصر المؤسسة العسكرية ببذل الذات في سبيل الوطن ووحدة أراضيه المهدّدة بالانقسام، لما انسكبت عليهم هذه الصفة المقدّسة.

جيشنا اليوم يعاني الأمرّين، تحدّيات أمنية وضائقة إقتصاديّة، لكنّ إيمان عناصره وقيادته بلبنان، سيدًا حرًا مستقلًا، حملهم لتاريخه إلى بذل كلّ أنواع التضحية، حتى الشهادة.

إلى جانب الشرف والتضحية، يأتي الوفاء كركنٍ لهذا الثالوث الوطني المبارك. الوفاء من شيم الكبار ومن صميم الإيمان، لقد ورد في سفر الجامعة من العهد القديم: "إِذَا نَذَرْتَ نَذْرًا لِلهِ فَلَا تَتَأَخَّرْ عَنِ ٱلْوَفَاءِ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُسَرُّ بِٱلْجُهَّالِ. فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَهُ"(الجامعة ٥: ٤). مَن ينذر ثم يتلاعب يكون كمّن يمزح مع الله، هذا لا يليق إلا بجاهل. النذر هو وعد بتكريس شيء ما لله، يلتزم المرء بالوفاء به. جيشنا نذر نفسه للوطن ووفى بقسمه، مساويًا ذلك وفاءً لله.

ماذا أهديك يا جيش بلادي في عيدك؟ الولاء والثقة والصلاة. أرفع الدعاء أن تبقى العمود الفقري الوحيد لضمان وحدة هذا البلد وسلامة أراضيه وأمنه واستقراره. أسأل الله، في مناسبة الأول من آب، أن يُبعد عنك الإنقسام والتشرذم وصراع السياسيين. أرجو القدير أن يحمي جيشنا من الغدر والدم، ويحفظ عنفوان عناصره وهيبتهم وكرامتهم، الذين ضحّوا ويضحّون في سبيل الواجب، وأقسموا يمينًا بالله العظيم للحفاظ على عَلم البلاد. هذا اليمين، إنّما هو يمين المسؤولية والإلتزام والوفاء والعمل المستمرّ على تنشئة الذّات وتحويلها إلى مثال في الشجاعة والصدق والضمير الحي والحزم والتجرّد والحياد. جيشنا، الذي يمثّل وحده لغاية اليوم صورة الوحدة الوطنيّة غير المقسّمة، هو القادر على حفظ الكيان رحمة بالنظام.

ليس لنا في الختام إلا أن نصلّي مجددًا ونقول: ربّي احمِ جيشنا من زعماء الطوائف ومن اختلافات السياسيين ونكدهم، وحصّن وحدته، وعزّز مكانته، ليبقى لنا الأمل بلبنان: السيد الحرّ والمستقل، آمين.