من حيث المبدأ، كان من المفترض أن تكون البلاد، في المرحلة الراهنة، مشغولة بالإستحقاق الرئاسي، نظراً إلى أن الجميع يراهن على الإنتخابات الرئاسية كي تكون بوابة الإنتقال إلى مرحلة جديدة، لكن حتى الساعة كل ما يتم البحث فيه هو عبارة عن "جعجعة من دون طحين"، بسبب عدم توفر المؤشّرات التي توحي بإمكانية الذهاب إلى إنتخاب رئيس جديد ضمن المهل الدستوريّة.

تلك المؤشّرات، لا تتعلّق بمواقف القوى المحلّية التي يتألّف منها البرلمان الحالي، الذي لا يتضمن أكثريّة نيّابية واضحة، بل تشمل أيضاً تلك المتعلّقة بالقوى الخارجية المؤثّرة على الساحة ال​لبنان​ية، التي لم تخرج عن إطار العموميات، بالنظر إلى إنشغالها بملفات أكثر أهمّية.

في الفترة الماضية، كان الكثيرون في لبنان يتحدثون عن أن الشهر الحالي سيكون موعد فتح المعركة الرئاسيّة بشكل جدّي، لا سيما بعد أن نقل عن رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ معلومات عن أنه سيدعو إلى الجلسة الأولى لإنتخاب الرئيس الجديد في شهر أيلول، لكن رئيس المجلس النيابي آثر يوم السبت الماضي، الى الاعلان عن ربط ذلك بإستكمال المجلس النيابي الإنتهاء من القوانين والإصلاحات المتعلّقة بالإتفاق مع ​صندوق النقد الدولي​.

في قراءة مصادر سيّاسية متابعة عبر "النشرة"، هذا التعديل من المؤشرات التي تزداد عن إحتمال الذهاب إلى فراغ على مستوى الرئاسة الأولى، بالرغم من التحذيرات الداخليّة والدوليّة من هذا السيناريو، لكن الأبرز في كلام بري كان إعلانه أن من واجبات رئيس المجلس النيابي آليّة الإتصالات بين الأفرقاء، للتوافق على الرئيس المقبل، أيّ أنّ الأمر مرتبط بتهيئة الأرضيّة المناسبة لإنتخاب رئيس الجمهوريّة الجديد.

من وجهة نظر هذه المصادر، الظروف الحاليّة لا توحي بأنّ هذه المهمة ستكون سهلة على الإطلاق، نظراً إلى أنّ الجميع لا يزال يتعامل مع هذا الإستحقاق على أساس أنه مواجهة بين فريقين، ليس من السهل تقريب وجهات النظر بينهما لا بل أنّ الخلافات داخل كل منهما بدأت بالظهور أيضاً، الأمر الذي يتطلب إنتظار ما قد يأتي من الخارج من توافقات، وهو ما يبرر رفض رئيس المجلس النيابي أن يكون أسير مواعيد مسبقة، خوفاً من أن يقود ذلك إلى عرقلة عمل المجلس.

في هذا الإطار، كان بري واضحاً في التشديد على أن من حق المجلس الاستمرار في التشريع خلال المهلة الدستوريّة لانتخاب ​رئيس الجمهورية​، بإستثناء الأيام العشرة الأخيرة التي يصبح خلالها المجلس حكماً هيئة ناخبة، حيث تلفت مصادر نيّابية، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن برّي يولي المجلس الحالي مسؤوليّة كبيرة، بخصوص تشريع ما يلزم لخروج لبنان من أزمته، وهنا الحديث عن القوانين الاصلاحيّة التي يطلبها صندوق النقد الدولي.

وتوضح المصادر نفسها أن قوله بعدم الدعوة لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية قبل تشريع هذه القوانين، لا يعني بالضرورة أن الدعوة لن تكون بداية أيلول، بحال تمكن المجلس من اقرار القوانين اللازمة خلال شهر آب، إنما بحال لم يحصل ذلك فقد تتأخر الدعوة، والسبب إحتمال حصول خلاف دستوري على طبيعة عمل المجلس في زمن انتخاب رئيس الجمهورية.

وتشير هذه المصادر إلى أن بري لا يلتقي مع أصحاب فكرة تحوّل المجلس النيابي إلى هيئة ناخبة لرئيس الجمهوريّة، بحال عقد الجلستين الأولى والثانية للإنتخاب ولم يحصل انتخاب، لكنه يعلم أن هناك من قد يلتقي معها ويقاطع جلسات التشريع، وبالتالي اذا حصلت بداية أيلول، قبل اقرار القوانين الاصلاحية، فذلك سيؤدي إلى عرقلة العمل التشريعي، الأمر الذي قد يهدد الإتفاق مع صندوق النقد الدولي.

في المحصّلة، يبدو أنّ مؤشرات الذهاب إلى ​الفراغ الرئاسي​ تزداد يوماً بعد آخر، الأمر الذي سيفتح الباب أمام العديد من الطروحات الجديدة في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن معالم التوافق على أيّ من الأسماء المطروحة لم تظهر بعد، لا بل هناك مجموعة جديدة منها التي بدأ الترويج لها.