في بلدٍ كلُبنان، تشكو فيه الصّحافة–وبخاصّةٍ في عصرنا الرّاهن، مِن أَن تقترن بصفة "المُتخصّصة"، كيف يُمكن للصّحافيّ، أَن يُؤدّي دَوْره التّوجيهيّ كسُلطةٍ رابعةٍ، وبخاصّة في ما يتعلّق بالأَزمات الإِنسانيّة الشّائكة؟ وما السّبيل لتأديه هذا الدّور؟ وكيف؟... وتاليًا، ما العمل إِذا كانَت المسأَلة تتعلّق بأَزمة الطّفل في لُبنان؟.

بدايةً، لا بُدّ مِن الإِشارة إِلى مجموعة "مَعارف" ومعلوماتٍ، على الصّحافيّ تَوضيحها للمتلقّي، كي يَكونا على المَوجة السّليمة نفسها‘ عِلمًا أَنّنا أَمام قضيّةٍ إِنسانيّةٍ شائكةٍ، يُشكّل فيها الطّفل الحلقَة الأَضعف، وتتداخَل فيها القضيّة الإِنسانيّة بالأَبعاد السّياسيّة والدّينيّة، والمُقاربات المُختلِفة للمَوْضوع، في أَزمةٍ مُتفاقمةٍ، وهي – إِلى ذلك - على صلةٍ بالاتّفاقيّة الدّوليّة لحُقوق الطّفل!.

1–ما هو تحديد "الطّفولة"؟

لعلّ أَلفباء تلك المعارف، يبدأ بتحديد الطُّفولة، وهي – بحسب القوانين الدّوليّة، كُل طفلٍ بَيْن صفر و18 سنةً. ولكِن في مُجتمعنا، كما وفي القوانين اللُبنانيّة أَكثر مِن تسميةٍ للطّفل، مِن دون تحديد العُمر في أَيٍّ مِن هذه التّسميات، مثلًا: الرّضيع، الحدث، الولد...

2–ما هي محاور إِتفاقيّة حُقوق الطّفل؟

الاتّفاقيّة في جَوهرها، ثُلاثيّة الأَضلُع، ومحاورها: حماية الأَطفال مِن النّزاعات المُسلّحة، وحمايتهم مِن البَيْع والاستغلال في البغاء، وفي المواد الإِباحيّة، وكذلك السّماح لهُم بالتقدُّم بالشّكاوى والاستئنافات والمُناشدات. والجدير ذكره أَنّ غالبيّة الدُّوَل قد وقّعَت على الاتّفاقيّة، ولو تحفّظ البعض على بعض المواد، باستثناء الولايات المُتّحدة الأَميركيّة، الّتي رفضت التّوقيع!.

3–ما هي المبادئ الأساسيّة للاتّفاقيّة؟

المَبادئ تقوم على "عدم التّمييز والمَصلحَة الفُضلى للطّفل، كاعتبارٍ أَساسيٍّ في كُلّ التصرُّفات الّتي تخصّ الأَطفال، والحقّ المُتأصّل للطّفل في الحياة، والتزام الدُّول الأَطراف ضمان - وإِلى أَقصى حدٍّ مُمكنٍ - بقاء الطّفل ونمائه، وحقّ الطّفل في التّعبير عن آرائِه، بحُريّةٍ، في كُلّ المسائل، الّتي تُؤَثّر فيه، وإِعطاء هذه الآراء الوَزن، الّذي تستحقُّه".

4–هل مِن تحفُّظات على الاتّفاقيّة؟

تحفّظَت تونُس على المادّة السّادسة مِن القانون، الخاصّة بالحقّ في الحياة، خشيةً مِن أَن يُدخل التّنصيص على "حقّ الطّفل في الحياة"، و"وجوب حماية نموّه إِلى أَقصى حدٍّ مُمكنٍ"، في تعارُضٍ مع قانون الإِجهاض الّذي كان ساريًا في تونس مُنذ العام 1973. كما وتحفّظَت الكُوَيت والإِمارات، على المادّة السّابعة، والخاصّة بحقّ الطّفل في الجنسيّة (مُشكِلة "البدون"). بَيْد أَنّ المادّة 14 المُتعلّقة بالـ "حقّ في المُعتقَد"، هي أَكثر مادّةٍ كان التحفُّظ علَيْها عربيًّا، مِن العِراق وسوريا والأُردن وعُمان والإِمارات والجزائر، فيما تحفّظ على المادّتَين 20 و21، الخاصّتَيْن بالتبنيّ، كلٌّ مِن الأُردُن والإِمارات العربيّة المُتّحدة.

5–ما كان المَوْقف اللُبنانيّ مِن الاتّفاقيّة؟

ما كادَت الأَحرُف الأَخيرة مِن الاتّفاقيّة الدَّوليّة لحُقوق الطّفل تُكتَب، في العام 1989، حتّى وقّعها لُبنان في خِضمّ الحرب الدّاخليّة الّتي كان يعيشها، في العام 1990. كما وأَنّ المَوْقِف اللُبنانيّ مِن الاتّفاقيّة كان مُؤَيّدًا بالمُطلق، ومِن دون أَيّ تحفُّظٍ على أَيّ بندٍ، خلافًا لما يُشاع في هذا الشّأن، لناحيةِ ما يتعلّق مثلًا بحقّ الطّفل بالجنسيّة.

6–هل مِن خللٍ في تطبيق الاتّفاقيّة في لُبنان؟ وما هي العَوائِق؟

أُوْلى العَوائِق أَنّ المجلس النّيابيّ اللُبنانيّ، قد فَوَّض قوانين الأَحوال الشّخصيّة، إِلى الطّوائِف اللُبنانيّة، والّتي بِدَوْرها تستمدّ قوانينَها مِن الأَديان السّماويّة، ما أَوْجد مُقارباتٍ عمليّةً مُتعدّدةً في مواضيع حسّاسةٍ كسنّ الزّواج على سبيل المِثال لا الحصر...

7–هل مِن خُطواتٍ جبّارة لتطبيق الاتّفاقيّة في لُبنان؟

ثمّة قُضاة في لُبنان مشهودٌ لهُم في تطبيق الاتّفاقيّة باجتهاداتٍ صبَّت في مصلحة حماية الطّفل. ومِن هؤُلاء القاضي فوزي خميس، الّذي تبلّغ يومًا مِن أُمٍّ مُنفصلةٍ عن زَوْجها، أَنّ الوالد السّاكن في جُبَيل، قد قرّر نقل مدرسة أَولاده القاطِنين مع والدتِهم في بيروت، مِن بَيْروت حيث كانوا يتعلّمون إِلى نهر ابراهيم. وقد ارتكز قرار القاضي في هذه القضيّة على المَشقَّة الّتي سيتكبّدُها الأَطفال في الانتقال يوميًّا، مِن بَيْروت إِلى نهر ابراهيم للتعلُّم، كما والمخاطر الّتي قد يتعرّضون لها على الطّريق، بسبب حوادث السّير، وقد اتّخذ القاضي خميس قراره المُنصف للأَطفال في ضَوْء المادّة القانونيّة الّتي تتعلّق بسلامة الطّفل وتأمين الرّاحة له.