في الوقت الفاصل عن فتح معركة رئاسة الجمهورية رسمياً، يبدو أن الكثير من المعطيات تبدلت عند الأفرقاء المسيحيين المعنيين مباشرة بهذا الإستحقاق، بعد أن كانت معادلة "الرئيس القوي" تتحكم بالإستحقاق الماضي، الأمر الذي قاد، في نهاية المطاف، إلى إنتخاب رئيس الجمهورية ​ميشال عون​.

قبل نحو 6 سنوات، كانت معادلة "الرئيس القوي" تشمل، بالإضافة إلى عون، كل من رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​ ورئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ والرئيس السابق أمين الجميل، بينما اليوم، وفق المعادلة نفسها، يمكن الحديث عن مرشحين طبيعيين هما جعجع ورئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​، إنطلاقاً من النتائج التي أفرزتها الإنتخابات النيابية.

من حيث المبدأ، هناك صعوبة كبيرة في تصور الإتفاق على انتخاب جعجع أو باسيل، نظراً إلى الفيتوات، سواء المحلية أو الخارجية، الموضوعة على كل منهما، الأمر الذي يدفعهما إلى البحث عن مقاربة جديدة لهذا الإستحقاق، تنطلق من معادلة "الرئيس الممثل"، خصوصاً بعد أن أظهر ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​ رغبة في لعب دور مؤثر.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية، عبر "النشرة"، إلى تقارب في مقاربة "القوات" و"الوطني الحر" لهذه المعركة، بالرغم من أن كلاًّ منهما ينطلق من مكان مختلف كلياً، وتلفت إلى أن معادلة "الرئيس الممثل" كان باسيل أول من ذهب إلى طرحها في لقاء تلفزيوني، قبل أن يعود التيار إلى إعلان التمسك بها يوم أمس، عبر الإشارة إلى وجوب أن يحظى من يتولى موقع رئاسة الجمهورية بالتمثيل الشعبي.

في المقابل، توضح المصادر نفسها أنّ "القوات" غير بعيد عن هذا التوجه، وهو ما تمّ التأكيد عليه من جانب النائب ستريدا جعجع، في ردّها قبل أيام على رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط، عندما دعته إلى احترام شعور وخيارات أكثريّة المسيحيين، التي عبروا عنها في الإستحقاق الإنتخابي، مشيرة إلى أن هذا الإستحقاق، بالرغم من أنه وطني يعني جميع اللبنانيين من دون استثناء، يمثل المنصب المسيحي الأول في الدولة، بالرغم من أن رئيس الحزب سمير جعجع ذهب إلى رفع حدّ المواجهة، رافضاً نظرية الرئيس التوافقي، بالتزامن مع معارضته الطبيعيّة لوصول رئيس ينتمي لقوى الثامن من آذار.

في قراءة هذه المصادر، ما يطرح على هذا الصعيد يصبّ في إطار الرغبة في عدم التجاوز في تسمية الرئيس المقبل، أو السعي، من جانب "الوطني الحر" و"القوات"، إلى أن يكونا في موقع الناخب الأول، على قاعدة أن تصويت أي منهما لصالح أي مرشح مفترض يعني تجيير التمثيل الشعبي له، وبالتالي يصبح ممن تنطبق عليهم صفة "الرئيس الممثل"، بينما حجب أصواتهما معاً عن أي مرشح يعني إضعافه، في حال لم تكن الظروف متوفّرة لمنعه من الوصول إلى سدّة الرئاسة.

بالعودة إلى ظروف الإستحقاق المنتظر، لا يزال كل من رئيس تيار "المردة" وقائد الجيش ​العماد جوزاف عون​ هما أبرز الأسماء المطروحة، بالرغم من إختلاف الظروف التي تحيط بكل منهما، لكن ما ينبغي التوقف عنده هو أن باسيل قد يكون أقرب إلى دعم فرنجيّة، في حال التوافق معه على مجموعة من الملفات، بينما جعجع كان قد أرسل، في الفترة الماضية، العديد من الإشارات التي تصبّ بإتّجاه عدم ممانعته تبنّي ترشيح قائد الجيش.

في هذا الإطار، لا تزال مصادر نيابية متابعة لمسار هذا الإستحقاق مصرة على التشديد بأن فرص ​الفراغ الرئاسي​ تتقدم على فرص الذهاب إلى إنتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، وترى أن ما يطرح، في المرحلة الراهنة، يصب في هذه الخانة، بالتزامن مع السعي إلى إضعاف حظوظ الأسماء المتداولة، على أساس أن باسيل لن يكون متحمساً لتبني ترشيح فرنجية، كما أن جعجع من غير المتوقع أن يذهب بعيداً في دعم فرضية التوافق على عون.

في المحصّلة، تشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أنّ الجانبين يدركان أن المؤثرات الخارجية لم تظهر معالمها بعد، ما يعني عدم الدخول في المرحلة الحاسمة على هذا الصعيد، لكنهما يريدان منذ الآن حجز موقعاً مؤثراً لهما في السباق، الأمر الذي يساعدهما على تحسين شروط تفاوضهما في تلك المرحلة، أو على الأقل منع الذهاب إلى أي تسوية من دون التفاهم المسبق معهما، بإعتبار أن حصانة التمثيل الشعبي تمر عبرهما، وهذا الواقع يحتاج له أي تفاهم كي يكتب له النجاح.