بقلب مثقل بالوجع والتضامن مع اهالي شهداء ​انفجار مرفأ بيروت​ عام 2020، نشاهد ونسمع اقوال "شعراء أهل السياسة" في ​لبنان​ الذين ينظمون ديوانيات المشاعر الكاذبة حول الانفجار المشؤوم.

من يسمع ما يقوله المسؤولون ورؤساء الاحزاب والتيارات السّياسية وكل من يتعاطى بالشأن العام، يجزم بأن المحاسبة باتت قريبة وان ملابسات الانفجار باتت قاب قوسين او ادنى من ان تظهر للعلن.

ولكن، من يعرف هؤلاء المتكلمين، يدرك تماماً انهم لن يتغيروا، فقد تم اختبارهم لسنوات وسنوات، وكانت النتيجة دائماً هي نفسها. ولنخرج من عالم الخيال المضلّل ونعود الى الواقع المشؤوم، فإن كل المعطيات تصبّ في خانة دخول ملفّ الانفجار دهاليز النسيان، وهو سيقبع تحت اطنان من الملفات التي ستدفنه في ذاكرة اللبنانيين، وتجعله كغيره من المسائل التي عرفها لبنان، بعيدة عن الحقيقة كبعد الارض عن الشمس.

خصص 4 آب للحديث عن ذكرى الانفجار، ولكن اعتباراً من اليوم، سيمرّ سنة بالتمام والكمال قبل الحديث عنه بجدية مرة جديدة، لان مواضيع اخرى ستطفو ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ​ترسيم الحدود البحرية​، ​الانتخابات الرئاسية​، فترة تصريف الاعمال في ظل الفراغ المتوقع، الهموم المعيشية والاقتصادية والمالية، الاتفاق مع ​صندوق النقد الدولي​... كل هذه الامور ستعود الى الواجهة بقوة، وستؤدي بطبيعة الحال الى تراجع الحديث عن الانفجار وملابساته وحيثياته ونتائجه، ولعل المثال الابرز الذي يشهد على ذلك هو تراجع الحديث عن ​القاضي طارق البيطار​ بعد ان كان على كل شفّة ولسان لاسابيع واشهر خلت، فها قد اصبح طيّ النسيان واختفى الكلام عنه.

ستتعدد الاسباب التي ستضع قضية التحقيق في الانفجار في فترة الجمود الطويل، ولن تبقى القضية حية الا في قلوب اهالي الشهداء وفي اجساد الجرحى واذهان كل من تضرر بشكل مباشر جراء الانفجار الرهيب، وعدا عن ذلك يمكن الوصول الى حد الجزم بأنّ القضية لن تشهد نهايتها وذلك بغض نظر دولي واستعداد محلّي لا مثيل له.

لن يصدر الحكم، ولن نشهد ايّ مسؤول عن الانفجار خلف القضبان، وستبقى الجريمة في سجلات التاريخ كذكرى مؤلمة فقط. وما يعزز هذا الترجيح بشكل اكبر، هو انه بعد اسابيع قليلة سنكون امام استحقاق الانتخابات الرئاسية، وفي حين زاد الحديث عن فترة من الفراغ، فإنّ مدتها لا تزال غير محددة. ولكن، ان وصول اي شخصية الى قصر بعبدا لا بد وان يخضع الى توافق، ووفق مفهوم هذه الكلمة في لبنان، فهذا يعني ان كل القضايا الخلافيّة ستكون خارج الاهتمامات لدى الرئيس الجديد، او في افضل الحالات ستكون على طاولة المساومات، ومع تسلم الرئيس الجديد مهامه، ستبصر حكومة جديدة النور، وهذا يعني ان مرحلة جديدة ستبدأ، ولن يكون فيها جديد سوى اسمها، والملفّات التي ستبحثها وتعمل عليها ستكون قديمة وهي التي ذكرناها آنفاً، وسيعمل الجميع على طيّ صفحة الماضي كالعادة كشرط للتطلع للمستقبل، بدل اعتماد المحاسبة على الاخطاء والتعلم منها لضمان استمراريّة ايّ مشاريع مستقبليّة، والبناء على اسس ثابتة.

يوماً بعد يوم تتجه قضية انفجار مرفأ بيروت الى النسيان، ويوماً بعد آخر يبتعد شبح المحاسبة عن المسؤولين الحقيقيين عن هذه الفاجعة، وبعد سنتين على الحادثة التي هزّت العالم اجمع، لم يهتزّ اي ضمير محلّي ودولّي كي يفرض العقاب على من يقع عليه اللوم. انه واقع مفروض علينا، هناك من سيرضخ له ويكمل حياته، وهناك من سيقبله على مضض كي يتمكن من الاستمرار، وهناك من سيهلل له باعتباره "صك براءة" لمن يتبعه من الزعماء والمسؤولين، وفي كل الاحوال فإنّ النتيجة تبقى نفسها.