بعد المواقف التي أطلقها رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​، أول من أمس، يمكن الحديث عن أن القوى المسيحيّة المعنية بالإستحاق الرئاسي كشفت أوراقها أو توجهاتها الأولية، نظراً إلى أن رئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​ كان قد سبقه إلى ذلك.

من حيث المبدأ، بات من الواضح أن كلاًّ من جعجع وباسيل يسعيان إلى لعب دور المقرر في اسم رئيس الجمهورية المقبل، لناحية طلب كل منهما التفاهم معه في هذا الملف، فالأول دعا قوى المعارضة إلى التفاهم معه، بينما الثاني وضع شرطاً أساسياً يتعلق بنظرية "الرئيس الممثل".

ما ينبغي التوقف عنده على هذا الصعيد، هو أن رئيسي "القوات" و"الوطني الحر" يعتبران أنّهما مرشحان طبيعيان، لكن ظروف المعركة تفرض عليهما التنازل، نظراً إلى أن قدرة وصول أيّ منهما إلى سدة الرئاسة تبدو شبه مستحيلة، مع العلم أن التفاهم بينهما هو الذي سهّل، في الإستحقاق السابق، إنتخاب ​الرئيس ميشال عون​.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة لمسار الإستحقاق الرئاسي، عبر "النشرة"، إلى أن الجانبين يغضان الطرف عن بعض المعطيات الحاسمة، أبرزها قد يكون المؤثرات الخارجية التي يسعيان إلى التقليل من شأنها، على قاعدة أن التسليم بها من الممكن أن يؤثر على موقفهما أو دورهما كـ"ناخب أول"، بينما الجميع في لبنان يدرك أن هذه المؤثرات قد تلعب دوراً حاسماً.

بالإضافة إلى ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى ضرورة التنبه إلى حضور ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​ القوي في هذه الإنتخابات، سواء كان ذلك من خلال المواصفات أو المواقف التي يطلقها، وبالتالي هو سيكون لاعباً مؤثراً، خصوصاً مع بروز مجموعة من الأسماء التي تصنف على أساس أنها مقربة من البطريركية المارونية.

على الرغم من كل ما تقدّم، هناك في لبنان من يؤكد أن الإستحقاق الرئاسي، بالرغم من السعي في السنوات الماضية إلى تكريس الطابع المسيحي له، عبر طرح نظرية الرئيس القوي أو معادلة الأقوياء في طوائفهم، له الطابع الوطني، المرتبط بمواقف باقي الأفرقاء من الطوائف الأخرى.

في هذا الإطار، تشير المصادر المتابعة إلى أنه في ظل الإنقسام القائم بين الفريقين الأكبر على الساحة المسيحية، من الطبيعي أن يتعزز حضور باقي الأفرقاء، وتذكر بأن التفاهم بينهما حسم المعركة في العام 2016، الأمر الذي ترجم عبر تراجع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن تأييد رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ بهدف إبرام تسوية مع "الوطني الحر"، بالإضافة إلى إلتحاق رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​ بها.

إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر نفسها أن الإنقسام الحالي سيقود إلى إضعاف موقف "القوات" و"الوطني الحر" التفاوضي، لكن الأخطر من وجهة نظرها هو إمكانية إستخدام الورقة التي لجآ إليها في إستحقاقات سابقة، أي ذهابهما إلى الورقة البيضاء أو الإمتناع عن التسمية في إنتخابات رئيس المجلس النيابي وتسمية رئيس الحكومة المكلف، وهو ما يمكن أن يتكرر معهما بصورة مختلفة في الإستحقاق الرئاسي.

في المحصّلة، قد يكون من المبكر، في الوقت الراهن، الحديث عن مواقف باقي الأفرقاء، الذين يترقبون وضوح بعض المعطيات المتعلقة بصورة المنطقة، لكن الأساس يبقى أن بعضهم يفضل فرنجيّة، الذي لا يتحمس له جعجع أو باسيل، بينما بعضهم الآخر يبحث عن الرئيس الوسطي، المرفوض أيضاً من رئيسي "القوات" و"الوطني الحر".