لفت العلامة السيّد علي فضل الله، إلى أنّ "أزمات الإنسان تستمرّ في لبنان على الصّعيد المعيشي والحياتي، وتزداد ضغوطها على النّاس بفعل الارتفاع المتزايد في أسعار السّلع والمواد الغذائية والمحروقات وكلفة الدّواء والاستشفاء والكهرباء والماء والنّقل، وهو ما أشار إليه تقرير "الإسكوا" التّابعة لمنظّمة الأمم المتحدة، الّذي رأى أنّ لبنان هو الدّولة الأغلى في ارتفاع الأسعار بين الدول العربية، والتوجّه إلى رفع الدّعم عن الطحين أسوةً بالمواد الأخرى؛ ما سيجعل ربطة الخبز تتجاوز الأربعين ألف ليرة".

وأوضح، خلال إلقائه خطبتَي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، أنّ "ذلك يأتي من دون أن يكون هناك أيّ جهود تُبذل للجم هذا الارتفاع والحدّ من جشع التجّار، أو بتحسين الرّواتب لموظّفي القطاع العام أو الخاص، أو أي مساعدات تقدّمها الدولة تساهم في التّخفيف من الأعباء على العائلات الأشد فقرًا والّتي وُعدت بها".

وركّز فضل الله على أنّ "في هذا الوقت، تستمرّ معاناة المودعين في ظلّ الحديث المتزايد عن ضياع جنى عمرهم وما ادّخروه لوقت حاجتهم، وهو ما أشار إليه تقرير البنك الدولي، حين تحدّث عن عدم صدقيّة وعود السّياسيّين لإعادة أموالهم، وإن ما أشاعوه حول قدسيّة الودائع لا واقع له، ويصف التّبريرات بأنّها جوفاء وانتهازيّة وأنّها لا تتعارض مع الوقائع فحسب، بل أنّها تمنع إيجاد حلول لحماية معظم المودعين إن لم يكن كلّهم".

وجدّد دعوته لـ"رفع الصوت عاليًا في وجه ناهبي ودائع النّاس"، مؤكّدًا أنّ "المسؤوليّة تقع على عاتق المصارف، الّتي من واجبها أن تردّ الأمانات الّتي أودعت عندهم، ولكن هذا لا يعفي الدّولة بكلّ أجهزتها من المسؤوليّة، لكونها طمأنت النّاس لسلامة ودائعهم وهي الحامية لمواطنيها والكفيلة لودائعهم".

وشدّد على أنّ "مع الأسف، يجري كلّ ذلك من دون أن تستنفر الدّولة جهودها لمواجهة كلّ هذا الانهيار، ومنع التّداعيات الكارثيّة الّتي قد تحصل من ورائه، حيث لا زلنا نرى من هم في مواقع المسؤوليّة يديرون ظهورهم لكلّ ما يجري لبلدهم وكأنّ النّاس ليسوا ناسهم".

كما بيّن فضل الله أنّهم "لا يكتفون بعدم التّلاقي لمواجهة هذه المرحلة وتحدّياتها وكيفيّة إخراج البلد من مآزقه، حيث لا حكومة ويُخشى أنّ لا رئيس جمهوريّة في الوقت القريب، بل يستمرّون بتوجيه السّهام لبعضهم البعض، ويشعلون البلد بصراعاتهم ويلقي كلّ جانب مسؤوليّة ما يجري على الجانب الآخر؛ فيما الكلّ في دائرة الاتّهام ولو بنسب متفاوتة".

وذكر أنّ "في هذا الوقت، ينتظر لبنان ما ستؤول إليه المفاوضات الّتي تجري على صعيد ترسيم حدوده البحريّة، فعلى رغم كلّ الإيجابيّات الّتي نشهدها، فإنّنا نخشى من تسويف العدو ومناوراته، الّتي يهدف من خلالها إلى الحصول على مكتسبات إضافيّة ومنع لبنان من الحصول على كامل حقه في ثروته، ما يتطلّب إبقاء الجهوزيّة لمواجهة كلّ الاحتمالات، والتّأكيد دائمًا للعدو ومن معه أنّ لبنان ليس ضعيفًا بل هو قوي في وحدته وقواه الحيّة وفي حقّه بثروته".

وأشار إلى أنّ "في مجال آخر، مرّت علينا الذّكرى السّنويّة الثّانية للمرفأ، الّتي تعيدنا إلى تلك الكارثة الّتي ألمّت بعاصمة هذا الوطن وأدّت إلى خسائر جسيمة في الأرواح والبيوت والمؤسّسات والآثار، الّتي نتجت عن تدمير واحد من أهمّ المرافق والمعابر الحيويّة لهذا البلد"، مجدّدًا دعوته إلى "الاستمرار في وحدة الموقف اللّبناني، وعدم الخضوع لتهويلات العدو والمخاوف الّتي يطرحها".

إلى ذلك، أكّد فضل الله "ضرورة التّعامل مع ما جرى بمسؤوليّة، لعدم إبقاء هذا الجرح مفتوحًا، وذلك بالخروج من ​سياسة​ تمييع الأمور على الصّعيد القضائي والسّياسي، والإسراع في إيجاد كلّ السّبل الّتي تضمن متابعة التّحقيق وشفافيّته وصدقيّته، وإبعاده عن كلّ التّجاذبات السّياسيّة؛ لتقديم صورة واضحة للنّاس عمّا حصل والّتي ينبغي أن تكون هي الهدف".

ورأى أنّ "الوفاء للضّحايا ولأهاليهم وللجراحات الّتي نُزفت ولمنع تكرار ما حدث، لن يكون إلّا بالإسراع بكشف من تسبّبوا بهذه الجريمة ومعاقبتهم"، مؤكّدًا أنّ "القضاء اللبناني هو قادر على الوصول إلى نتائج حاسمة، إن سُمح لهذا القضاء أن يكون عادلًا وشفّافًا، وآخذًا بموازين العدالة وبعيدًا عن التّسييس والتدخّلات".