اوضح مصدر وزاري بارز إن مصير إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري يتوقف على مهمة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، في التوصّل إلى اتفاق ل​ترسيم الحدود البحرية​ بين لبنان وإسرائيل، وأكد لـ "الشرق الأوسط" أن إنجاز الاتفاق من شأنه أن يعبّد الطريق أمام إتمام الاستحقاق الرئاسي، وإلا فإن نسبة انتخاب رئيس جمهورية جديد تتساوى مع ترحيل الاستحقاق إلى ما بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون في 31 تشرين الأول المقبل، وهذا ما يؤدي إلى إقحام البلد في خيارات لا يمكن التكهّن بارتداداتها السلبية على الوضع الداخلي.

ولفت المصدر الوزاري البارز الذي يواكب عن كثب اللقاءات التي عقدها الوسيط الأميركي في بيروت، تحديداً مع الرؤساء الثلاثة، إلى أنه لا يمكن فصل ترسيم الحدود البحرية عن الاستحقاق الرئاسي، وقال إن التلازم بينهما أصبح بمثابة أمر واقع لا يمكن القفز فوقه، خصوصاً أن الاستحقاق لم يعد يقتصر على الناخبين المحليين، أكانوا في عداد الكبار أو من الناخبين العاديين، وإنما بات يتصل بما يدور حول لبنان من تطورات وحراك دولي.

ورأى أن استقراء مصير الانتخابات الرئاسية يبدأ أولاً من قدرة الوسيط الأميركي على ردم الهوّة التي ما زالت قائمة بين لبنان وإسرائيل، وصولاً إلى رعايته للمفاوضات غير المباشرة بين البلدين تحت إشراف الأمم المتحدة التي يُفترض أن تُستأنف في الناقورة تمهيداً لوضع اللمسات على الاتفاق حول ترسيم الحدود البحرية.

وقال المصدر نفسه إن العبرة تبقى في العودة إلى المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، مع أن الوسيط الأميركي أطلق في لقاءاته ببيروت وقبل أن يتوجّه إلى تل أبيب إشارات إيجابية ومشجّعة، لكن لا شيء نهائياً حتى الساعة، ريثما يتمكن من تذليل العقدة الأخيرة التي تعيق التوصل إلى اتفاق نهائي، وهذا يتوقف على الجواب الذي سيحمله من إسرائيل إلى الجانب اللبناني، وكشف أن التواصل لم ينقطع مع قيادة "حزب الله"، وأن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم يتولى هذه المهمة، كونه من المسؤولين القلائل الذين شاركوا في اللقاءات التي عقدها الوسيط الأميركي في بيروت.

واعتبر أن نسبة التفاؤل لدى أركان الدولة بالتوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود، وإن أخذت ترتفع عما كانت عليه قبل اللقاءات التي عقدها الوسيط الأميركي في زيارته الأخيرة لبيروت، فإنها تبقى حذرة ولا يمكن التأسيس عليها، وبالتالي التصرف كأن اتفاق الترسيم أصبح في متناول اليد، من دون التقليل من التقدّم غير النهائي الذي حققه الوسيط الأميركي.

ولفت المصدر الوزاري نفسه إلى أن مجرد التوصل إلى هذا الاتفاق يعني حكماً أن المجتمع الدولي أعطى الضوء الأخضر للبدء بتنفيذها من جهة، وأن إيران التي ترعى محور الممانعة في لبنان ليست في وارد تعطيله أو الالتفاف عليه، وقال إن طهران من خلال حليفها حزب الله قد تكون مضطرة لتوجيه رسالة إلى المجتمع الدولي تبدي فيها رغبتها بإعادة التواصل مع المجموعة الدولية.

تسريبات إسرائيلية حول ترسيم الحدود: التفاؤل يتقلص

في لبنان، ثمّة ثقة بأن الحقوق التي سيحصل عليها من اتفاق ترسيم الحدود البحرية جنوباً مع فلسطين المُحتلة، لن تكون أقل من الخطّ 23 مع كامل حقل قانا والبلوك 8. في الأساس لم يعُد المسؤولون في وارد تقديم أي تنازل، مع التخلّي عن الخطّ 29، لكن يبقى الجواب الإسرائيلي على ما يريده لبنان غير واضِح بعد، وهو ما تؤكّده جهات رفيعة المستوى بأن "لا رسالة أميركية أو فرنسية وصلت إلى لبنان بعد مغادرة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين ولقاءاته بمسؤولين إسرائيليين".

ولفتت "الاخبار" الى ان كل ما يُتداول به ليسَ سوى تحليلات ومعلومات صحافية يجري ضخّها في إعلام العدو، من دون نفي أو تأكيد، وهو ما لا يمكِن البناء عليه. الموقف الإسرائيلي يحيطه الغموض، لذا لم يعُد سهلاً توقع سيناريو واحد، وبات احتمال التهدئة كما احتمال التصعيد متساويين، رغمَ ما قيل عن "وقف العمل في كاريش".

وفقاً لما يرِد من "إسرائيل" من إشارات فإن جرعات التفاؤل تتجه إلى التقلص، في حين باتت مقدمات التسويف والمماطلة أكثر بروزاً، ما يثير أكثر من علامة استفهام، بخاصة أنه يحمِل الشيء ونقيضه. فتقدير "تل أبيب" أن "الرضوخ لإرادة حزب الله في الخلاف البحري، وإن كانَ سيُجنبها حرباً بخسائر كبيرة، سيتسبب بتداعيات سلبية لا تقتصر على الصراع على الماء، بل سيؤثر في كل المعادلات القائمة بين الجانبين".

وتبحث تل أبيب في خياراتها الممكنة، من بينها تأجيل استحقاق الرضوخ وتحسين صورة الانكسار فيه، وهو مسعى لا يمكن تحقيقه إلا بوساطة الحليف الأميركي الذي سيكلّفه الرضوخ لحزب الله أكثر بكثير مما سيكلف "إسرائيل". وذلك، لأن رضوخ الأميركي هو خسارة ترتبط بالاستراتيجية الأميركية التي تعمل عليها منذ سنوات في لبنان، لتحقيق ما عجزت عنه تل أبيب عسكرياً، وهي استراتيجية الحصار والضغط الاقتصادي.

وتأخير الاستحقاق باتَ مطلباً لدى الإسرائيلي والأميركي، لأن من شأنه تجنيبهما تلك الصورة المهينة مع تداعياتها الممتدة، عبر العمل على رواية مغايرة وإن نسبياً، بديلة لواقع الرضوخ.

ومسعى كهذا لا يتحقق، إن بقي جدول أعمال حقل كاريش على حاله، أي أن تبدأ سفينة الاستخراج عملها مع بداية أيلول المقبل، كما كان مقرراً، الأمر الذي يفسر "العرقلة التقنية" التي جرى تداولها في المجلس الوزاري المصغر إلى أجل غير مسمى.

الترسيم..غموض

من جهة ثانية، لوحظ أنّ نوبة الايجابيات التي جرى ضخّها أثناء الزيارة الاخيرة للوسيط الاميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت مطلع الاسبوع الجاري، قد بدأت تتلاشى. حيث انّ ايًا من المعنيين الداخليين بهذا الملف يملكون جرأة تأكيد هذه الايجابيات او وجود ترجمة عملية لها في القريب العاجل، على حدّ ما أوحى الوسيط الاميركي.

وابلغت مصادر موثوقة إلى "الجمهورية" قولها: "لو كانت الايجابيات الجدّية موجودة، لا يتطلب الامر اسبوعًا او اسبوعين لترجمتها، بل ترجمتها تكون فورية في غضون ساعات وربما ايام قليلة جدًا. والمؤسف أنّ البعض في لبنان يحترف التسرّع في اطلاق التوصيفات، وقد عام على شبر تفاؤل وهمي، وأوحى بأنّ الامور المرتبطة باتفاق الترسيم قد شارفت على خواتيمها، وذلك خلافًا لحقيقة الامر التي لم يخرج فيها هذا الملف من خانة التعقيدات ال​اسرائيل​ية له، حيث لم تبدر أي إشارة جدّية لا من الوسيط الاميركي ولا من غيره، عن تغيّر جوهري في الموقف الاسرائيلي. فإسرائيل كما اعتدنا عليها، لا تعطي بلا مقابل، بل تريد أن تأخذ ولا تعطي، ولبنان لا يمكن ان يقبل بأقل من حقوقه وحدوده كاملة. ولذلك ينبغي ان يكون الجانب اللبناني واقعيًا وينتظر. فهوكشتاين قال انّه سيعود إلى بيروت، ومن الآن وإلى أن يعود، ينبغي الّا نغرق في أوهام، او نتأثر بأبر مخدّرة تعمي عن التعقيدات الاسرائيلية".

واشارت المصادر إلى ما سمّتها "وقائع اسرائيلية غير مشجعة" تعكس تناقضًا في الموقف الاسرائيلي. فمن جهة يشيّع الاعلام الاسرائيلي عن قرب التوصل إلى اتفاق مع لبنان حول ترسيم الحدود البحرية، ومن جهة ثانية تروّج مستويات اسرائيلية سياسية وعسكرية لاحتمالات مواجهة عسكرية، ومن جهة ثالثة إعلان اجتماع مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغّر "السياسي والأمني" بأنّ الامور يمكن ان تتطور لعدم إبرام اتفاق مع لبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية، وانّه ليس من المؤكّد إنتاج الغاز المُخطّط له في شهر ايلول المقبل في الموعد المُحدّد له، بل ربما وحدوث توترات ومعارك فعلية".

أمام هذه الوقائع تسأل المصادر الموثوقة: "هل ثمة ايجابية يمكن البناء عليها؟ ثم انّ وجهة الامور يفترض ان تتحدّد وفقًا لما وعد هوكشتاين أنّه سيحمله من اسرائيل، هذا إذا عاد إلى بيروت في غضون اسبوعين كما قال؟".