لا شكّ أن كباش المصارف و​القضاء اللبناني​ يحتدم أكثر فأكثر حيث تسعى الأولى الى حماية نفسها من سيف القانون والقرارات القضائيّة، التي يُمكن أن تكلفها ولو جزءًا بسيطاً مما أخذته خلسةً وهو تعب وجنى عمر المودعين.

إذا، المصارف وضعت في جيبها كل تعب الناس وفي ليلة ظلماء أخبرتهم أنه لا يُمكنهم استعادتها، أو بتعبير أصحّ خسروها، وبدأت هي والدولة و​مصرف لبنان​ تتقاذفان كرة المسؤولية وكلّ منها يرمي التهمة على الآخر ويقول للمودع "أموالك هونيك"!.

الأسبوع الماضي أعلنت المصارف الإضراب المفتوح على خلفية توقيف صاحب بنك الاعتماد المصرفي. قالتها ببساطة "البنوك ستبدأ اضراباً عاماً الاثنين (نُفِّذ الاضراب الاثنين الفائت) رداً على المواقف "المضرة والشعبویة على حساب الاقتصاد،" وهذا الموقف جاء استغرابًا لتجاهل البعض من المكلفين باحترام القانون ومضمون أحكامه، وكأن تطبيق القانون أصبح اختياريا لهم وليس إلزاميا، وعندما تأخذ هذه المرجعيات تدابير جذرية تتناول حريات الأشخاص وكراماتهم وتسيء إلى سمعتهم وتعرض علاقات المصارف المحليّة بالمصارف المراسلة، يحدث بالغ الضرر ليس للقيّمين على المصارف فحسب، بل بصورة أولى للمودعين".

نوع الدعاوى

هذا في الشكل أما في الواقع فأمر آخر، إذ أن الكباش بين القضاء و​المصارف اللبنانية​ يحتدم، والهدف لجم القضاء عن إتخاذ أيّ قرار يفرض على المصارف أن تعيد الأموال. هنا يشير المتخصص في الشؤون القضائية المحامي الدكتور باسكال ضاهر أن "اللجوء الى القضاء مهمّ في موضوع فكّ حجز الأموال في المصارف، ولكن المهمّ أن يتم رفع الدعاوى القضائية الصحيحة إذ ليست كلّ الدعاوى تؤدي الى ردّ الحقّ".

يشدد الدكتور ضاهر عبر "النشرة" على أنه "لا يمكن للمودع الا أن يلتجئ الى القضاء"، لافتا الى أن " اللجوء الى القضاء الجزائي بالنسبة الى الودائع محفوف بالمخاطر، والاجدى تطبيق القانون 2/67 نظام التوقّف عن الدفع لحماية الودائع، والذي يتم تفعيله من المودع، وليس بحاجة الى أي احالة حصرية من حاكم المصرف المركزي، وهو يهدف الى تعويم المصرف ولاعادته الى الكيان المصرفي من جديد من خلال لجان ادارة، وهو يؤدي حكما الى الحجز على كل الممتلكات المصرف واصحابه والمساهمين والمفوضين بالتوقيع والمراقبة"، مؤكدا أن "المودع يحرّك الدعوى ويطلب من المحكمة المدنية الناظرة بقضايا الإفلاس تطبيق النظام".

يقين المصارف بالاوضاع

أما خبير المحاسبة المجاز ربيع داغر فأشار لـ"النشرة" الى أن المصارف قامت بإقراض مصرف لبنان طمعاً بتحقيق ارباح سريعة من خلال هندسات مالية، واعتبرت جميع الفوائد المحققة ارباحاً ولم يقم اصحاب المصارف بتدعيم اوضاعهم بل قاموا بعملية توسعة خطيرة وفتح فروع كيفما كان"، مضيفا: "قام اصحاب المصارف ورؤساء وأعضاء مجالس الادارة باخراج الأموال من المصارف وايداعها في الخارج، ربما لأنهم كانوا يعرفون اوضاع مصارفهم وحالة الخزينة، خصوصا وأنه بين عامي 2017 و2018 و2019 أوقفت المصارف جميع ​القروض​ وهذا دليل على معرفتها بالاوضاع". وهنا يتساءل داغر "اليست هذه الأعمال وسواها هي التي ادت الى موت الاقتصاد"؟!.

"اجبار اصحاب المصارف على اعادة تمويل مصارفهم من اموالهم الخاصة وارباحهم التي تم تموزيعها سابقا وهي وهميّة". هذا ما يشدد عليه داغر، مؤكدا ايضا انه يجب اللجوء الى مصادرة كافة أموال أصحاب المصارف والمساهمين وكل من هو شريك معهم في لبنان والخارج لإعادة ​أموال المودعين​".

من الواضح أن "المعركة" بين القضاء والمصارف بدأت وهي مستمرة... ووحدها الأيام المقبلة ستظهر الى أين ستؤدي!.