في الأيام الماضية، عادت العديد من الجهات المحلية إلى الدعوة لتشكيل حكومة جديدة، رغم إدارك الجميع صعوبة هذا الأمر في الوقت الراهن، في ظلّ العلاقة المتوترة بين كل من رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس حكومة تصريف الأعمال ​نجيب ميقاتي​، التي يتمّ التعبير عنها بحرب البيانات بين "​التيار الوطني الحر​" ورئيس الحكومة المكلّف.

هذه الدعوات قد تكون مستغربة، لا سيما أن البلاد، من الناحية العمليّة، ستدخل في الأيام القليلة المقبلة في قلب المعركة الرئاسيّة، بحسب المواعيد الدستوريّة، وبالتالي قد يكون من المنطقي الحديث عن أن الذهاب للبحث في تأليف أي حكومة جديدة اليوم غير مجدٍ، في حال كان هناك رغبة فعلية بعدم الذهاب إلى فراغ رئاسي طويل.

في هذا السياق، تلفت مصادر متابعة إلى أن السبب الأساسي في هذه الدعوات هو الأجواء التي تحيط بالملف الرئاسي، حيث تشير مختلف المعطيات إلى صعوبة الوصول إلى إتفاق في وقت قريب، نظراً إلى غياب المؤشرات الإقليمية والدولية التي تصب في هذا الإتجاه، بالإضافة إلى حالة الإنقسام القائمة على المستوى المحلي، التي توحي بأن جميع القوى تعدّ العدة للدخول في مرحلة طويلة من الكباش السياسي.

من حيث المبدأ، تعتبر المصادر نفسها أنه كان من الممكن تجاهل المؤثرات الخارجية، فيما لو تواجد اتفاق بين الأفرقاء المحليين على كيفية تجاوز هذا الإستحقاق، لكن في ظلّ غيابه، الذي يتزامن مع عدم قدرة أيّ فريق وحيداً على حسم المسألة إنتخابياً بسبب توازنات المجلس النيابي الحالي، يصبح من المسلّم به أنّ تلك المؤثّرات ستكون لاعباً أساسياً في حسم إسم الرئيس المقبل.

أول من أمس، كان أمين عام "حزب الله" ​السيد حسن نصرالله​ أبرز الداعين إلى تشكيل حكومة جديدة، ملمّحاً إلى إحتمال الذهاب إلى فراغ رئاسي، لكن قبل ذلك كان ​البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي​ قد سبقه إلى هذا الامر، عندما أشار إلى أن الصعوبات المحيطة بعملية التشكيل يجب أن تكون حافزاً يدفع برئيس الحكومة الـمكلف إلى تجديد مساعيه لتأليف حكومة ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية، شرط أن تكون التشكيلة الجديدة وطنية وجامعة ومتوازنة.

وفي حين تشير المصادر المتابعة إلى أن "حزب الله"، كغيره من القوى السياسية، يتخوف من التداعيات المحتملة لسيناريو الذهاب إلى فراغ رئاسي طويل في ظلّ حكومة تصريف أعمال، لا سيما أن البلاد ستكون على موعد مع مجموعة من الإستحقاقات الهامة، يعتبر أن الإشارات التي كان البطريرك الراعي قد أرسلها قد تكون هي الأخطر، نظراً إلى أنه شدّد على أن "الشعب يرفض تسليم مصيره إلى حكومة تصريف أعمال"، لافتاً إلى أن "وجود حكومة كاملة الصلاحيات لا يفرضه منطوق التوازن بين المؤسسات الدستوريّة فقط، بل منطق التوازن بين أدوار المكونات الميثاقية في لبنان أيضاً".

وتلفت المصادر نفسها إلى أن البعض يعتبر أن السبب الأساسي في تصعيد "التيار الوطني الحر" بوجه رئيس الحكومة المكلف يعود إلى رغبة لديه في دفعه نحو الإعتذار، الأمر الذي يفتح الباب أمام إحتمال الدعوة إلى إستشارات نيّابية ملزمة تقود إلى تكليف شخصية جديدة ب​تشكيل الحكومة​، لكن من الناحية العمليّة لا يبدو أنّ ميقاتي في هذا الوارد، بل على العكس من ذلك هو يتصرّف على أساس أنه مستمرّ في مهامه، كرئيس لحكومة تصريف الأعمال، بغض النظر عن المسار الذي يسلكه الملف الرئاسي.

في المحصّلة، ترى هذه المصادر إنطلاقاً من مواقف البطريرك الماروني، التي تتزامن مع السجال حول قدرة حكومة تصريف الأعمال على تسلم صلاحيات رئيس الجمهورية، ملامح خلاف دستوري كبير يلوح في الأفق، لا سيما أن تشكيل الحكومة، كالإتفاق على إسم الرئيس المقبل، يحتاج إلى تدخّل خارجي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، يتعلق بمصلحة أيّ جهة قادرة على تقريب وجهات النظر، في بذل جهد من أجل حكومة لن تُعمّر، في حال الوصول إلى تفاهم حولها؟!.