سألت "الاخبار" ماذا لو حصل لبنان على كميات مجانية من الفيول أويل كافية للتغذية بالتيار الكهربائي أكثر من خمس ساعات يومياً ولمدّة سنة وربما أكثر؟ المسألة لا تحتاج إلى تفكير في ظل الوضع الحالي بتغذية ساعتين يومياً أو أقلّ، ووسط وعود أميركية عمرها سنة من "الجرجرة" للموافقة على استيراد الغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا.

ولفتت الى ان رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​ الذي "حشره" العرض الإيراني لم يرفضه، لكن من شبه المؤكد أنه لن يجرؤ على الموافقة. "الطريقة الميقاتية" في هذه الحال معهودة: التسويف، مرة في إشاعة أنباء عن أن الفيول الإيراني غير مطابق للمواصفات، ومرة في إشاعة أجواء إيجابية كتلك التي أعلنها النائب السابق علي دروبش، المقرّب من رئيس الحكومة، أمس عن "إيجابية" لدى ميقاتي تجاه العرض "الذي يمكن أن يبصر النور إذا كان الفيول يطابق المعامل اللبنانية وفي حال كانت الهبة مجانية وغير مشروطة".

بمعنى أوضح، الجانب الإيراني لديه المواصفات، ويعلم تماماً ما نحن بحاجة إليه ولا ينتظر إلا خطوة إيجابية فعلية من ميقاتي في اتجاه بدء إجراءات العقد.

أما كل الكلام عن عدم مطابقة المواصفات، فهو كلام سياسي ينطوي على حسابات ضيقة لميقاتي وربما لقوى سياسية أخرى تقلق من التعامل مع إيران علناً.

وأبرز دليل على ذلك، هو أن العقد مع الفيول العراقي قائم ويرغب لبنان في تجديده رغم أن الفيول العراقي لا يطابق المواصفات اللبنانية، بل يقوم لبنان بمقايضة الكميات غير المطابقة للمواصفات، مع كميات مطابقة للمواصفات ويدفع الكلفة من فروقات الكمية. وهذا أمر يمكن تكراره حالياً مع الفيول الإيراني إذا لم يكن مطابقاً. لكن هل المشكلة في مواصفات الفيول، أم في مواصفات رئيس الحكومة؟

تحذيرات من دخول لبنان مجدداً في عتمة شاملة

تسعى السلطات اللبنانية لتجنب تكرار الدخول في عتمة شاملة جراء انقطاع الكهرباء بشكل شبه كامل، بدءاً من أيلول المقبل، مع نهاية مدة عقد لتوريد النفط الخام من العراق ومبادلته على فيول لتشغيل معامل الكهرباء، وهو ما دفع وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض لخوض نقاشات مع المسؤولين العراقيين بهدف التوصل إلى آلية لتمديد العقد عاماً آخر.

ويحتاج لبنان إلى نحو 3 آلاف ميغاوات من الكهرباء تقريباً، وانحصر إنتاجه أخيراً بالمحطات الكهرومائية "التي تصل قدرتها الإنتاجية إلى نحو 100 ميغاواط"، وبمحطات عاملة على الفيول يزودها بها الاتفاق مع الحكومة العراقية.

وبدأ لبنان منذ آب 2021 بتنفيذ الاتفاق القاضي بحصوله على شحنات من النفط الخام، تتم مبادلتها مع شركات أجنبية بنحو 40 ألف طن شهرياً من الفيول المشغل لمحطات الإنتاج.

وذكرت مصادر لبنانية مطلعة على ملف الكهرباء، إن لبنان مهدد بانقطاع شبه كامل للكهرباء بدءاً من شهر سبتمبر المقبل في حال لم يتم تمديد العقد مع العراق، أو تأمين بديل آخر للفيول، ورفع تعرفة الكهرباء بما يتيح للشركة الاستمرار وتأمين ثمن الفيول ودفعه للموردين.

واوضحت المصادر لـ"الشرق الأوسط" إنه حتى الآن "يجري العمل مع الجانب العراقي بشكل أساسي لتأمين استمرارية للتغذية الكهربائية" التي تقلصت إلى مستويات قليلة جداً، لا تتخطى الأربع ساعات يومياً في بعض المناطق، وتصل إلى ساعتين فقط في مناطق أخرى.

وتصطدم المحادثات بعاملين أساسيين، أولهما التطورات الأمنية والسياسية في العراق، وثانيهما عدم اتفاق لبنان مع العراق على آلية لدفع المستحقات السابقة، وهي ثمن مليون طن من النفط العراقي الخام تجري مبادلة شحنات منها بشكل شهري مع فيول يشغل محطات الكهرباء في لبنان عبر شركة ثالثة. وخاض فياض في زيارته ما قبل الأخيرة إلى بغداد مع وزير المال العراقي وحاكم المصرف المركزي نقاشات لبلورة تلك الآلية والشروع بتنفيذها، وتشمل أيضاً مبادلات متفق عليها صحية وتربوية وأكاديمية وغيرها.

وكان لبنان يعول على زيادة التغذية الكهربائية، باستجرار الطاقة من الأردن (نحو 250 ميغاواط) وضخ الغاز من مصر عبر الأراضي السورية إلى محطة إنتاج للكهرباء عاملة على الغاز في شمال لبنان، لكن الخيار لم يتم تنفيذه منذ عام، وذلك لأن البنك الدولي الذي يتكفل تمويل المشروع يطالب بتنفيذ إصلاحات في قطاع الكهرباء وفي مقدمها تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، فيما تشترط الولايات المتحدة الأميركية موافقة البنك الدولي على التمويل، قبل منح مصر والأردن وثيقة نهائية تضمن استثناءهما من عقوبات "قيصر" مقابل توريد النفط عبر الأراضي السورية.

صندوق النقد

في هذه الاجواء تعكس مصادر اقتصادية أجواء ارتياح لدى صندوق النقد الدولي حيال ما تَواتَر من لبنان عن اقرار الشروط التي وضعها لإتمام اتفاق التعاون مع لبنان. الّا انّ الصندوق بحسب هذه المصادر وإن كان يرى توجّهاً ايجابياً لتلبية مجموعة الشروط التي طرحها، الّا انّ فتح الطريق السريع الى اقرار برنامج التعاون مع لبنان يتطلّب بالدرجة الاولى والاساسية إقرار قانون "الكابيتال كونترول"، فمِن دون إقرار هذا الامر، لا مجال لإبرام اتفاق تعاون مع لبنان.

على أن الاجواء الحكومية لا تَشي بوضع مشروع الكابيتال كونترول على النار، وقالت مصادر حكومية لـ"الجمهورية": ليس هناك من شك بأنّ إقرار الكابيتال كونترول يعدّ انجازا كبيرا جدا ويُساهم في ضبط حركة العملة الصعبة ويحول دون تفريغ لبنان منها، والتحويل او بالاحرى التهريب العشوائي لها الى الخارج، ولكن حتى الآن لم تكتمل الصيغة النهائية لهذا المشروع، والجهود منصبّة حالياً في اتجاه تذليل بعض العقبات التي تعترضه. وفور جهوزه سيُصار الى إقراره في مجلس النواب، مقروناً بخطة التعافي الحكومية.