تستعد الدول الفاعلة في لبنان لتكثيف اتصالاتها بالقوى السياسية الرئيسية، في محاولة لإحداث خرق يدفع باتجاه إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، وذلك على مشارف الدخول في المهلة المحددة لها، لقطع الطريق على من يراهن على تأجيلها؛ الأمر الذي سيعني، في حال حدوثه، أخذ البلد إلى حالة من الفراغ القاتل.

لكن قرار الدول الفاعلة بتشغيل محركاتها السياسية سيتأخر إلى مطلع أيلول المقبل؛ أي مع الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس بعد أن تنتهي العطلة الصيفية التي يمضيها رؤساء هذه الدول وكبار مساعديهم الذين انقطعوا، بسبب إجازاتهم، عن التواصل مع الكتل النيابية اللبنانية الرئيسية التي لديها اليد الطولى في انتخاب الرئيس في حال أدت الاتصالات الدولية إلى إنضاج الظروف المواتية لانتخابه.

وعلمت "الشرق الأوسط" من مصادر سياسية بارزة أن باريس لم تنزل حتى الساعة بثقلها لتهيئة الظروف المؤدية إلى انتخاب الرئيس في موعده، وهي ما زالت تواكب من كثب الحراك الخجول للكتل النيابية الرئيسية المعنية بالاستحقاق الرئاسي رغم أنه لا يزال دون المستوى المطلوب، وإن كانت تبدي ارتياحها للقاء رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بمسؤولين اثنين من «حزب الله» يتوليان إدارة الملف اللبناني وهما على تواصل مع أمينه العام حسن نصر الله.

ولفتت المصادر السياسية إلى أن باريس تدعو إلى "إيجاد مساحة سياسية مشتركة لتوسيع الحوار وتفعيله" لئلا يقتصر على "التقدمي" و"حزب الله"، لما له من دور ضاغط على طريق إنقاذ الاستحقاق الرئاسي من التعطيل؛ "ولأن البديل سيكون إقحام البلد في فراغ قاتل يرفع من منسوب التأزم الذي يعوق إخراجه من الحالة الكارثية التي يتخبط فيها والتي أوصلته إلى قعر الانهيار الشامل".

وكشفت عن أن باريس أخذت على عاتقها استمزاج آراء القوى السياسية الرئيسية للوقوف على اقتراحها بالدعوة إلى حوار وطني حول مستقبل النظام السياسي في لبنان. وقالت إنها "لم تتلق أجوبة مشجعة؛ لأن معظم المشمولين بمروحة الاتصالات التمهيدية التي أجرتها، رأوا أن الأولوية يجب أن تُعطى للاستحقاق الرئاسي للعبور به إلى بر الأمان".

ورأت أن "لا ضرورة لحوار يتجاوز انتخاب الرئيس ويمكن أن يفتح الباب أمام مبادرة بعض الأطراف إلى التعاطي معه على أنه المدخل للبحث في نظام جديد على أنقاض (اتفاق الطائف) قبل أن يُستكمل تطبيقه وتنقيته من الشوائب التي لحقت به جراء سوء تطبيقه".

وقالت إن باريس "اضطرت إلى سحب اقتراحها لبدء حوار حول النظام السياسي؛ لأنها اصطدمت بمعارضة من قبل معظم الذين تواصلت معهم، إضافة إلى أن مجرد طرح مستقبل النظام على بساط البحث سيؤدي إلى انقسام داخلي وسيترتب عليه اعتراض من الدول التي رعت التوصل إليه". وأكدت أن "مجرد طرحه يمكن أن يعوق انتخاب الرئيس في موعده ويعطي الذرائع لبعض الأطراف الرافضة لـ(الطائف) للانجرار إلى المزايدات الشعبوية في ضوء لجوء أكثر من فريق إلى طرح الفيدرالية من جهة؛ وإلى المطالبة باللامركزية المالية الموسعة من جهة ثانية".

ورأت المصادر ذاتها أن باريس "أخطأت في إدارتها الملف اللبناني عندما ساوت بين من يسعى إلى تشكيل حكومة بالمواصفات التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبين من يصر على تعطيلها، ولم تكن مضطرة لحشر الرئيس سعد الحريري في الزاوية بإصرارها على لقاء رئيس (التيار الوطني الحر) جبران باسيل وتقديمه على أنه الشريك في تشكيل الحكومة"، وقالت إن "رعايتها الوريث السياسي لرئيس الجمهورية ميشال عون كانت وراء اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة ليكتشف الرئيس نجيب ميقاتي لاحقاً أن هناك استحالة للتعايش مع باسيل".

وأكدت أن باريس "بسبب تعدد الآراء داخل البيت الفرنسي المولج متابعة الملف اللبناني، باتت تفتقد إلى الدور الذي أوكلته الولايات المتحدة الأميركية إلى ماكرون، واستعاضت عنه بدور مساعد بعد أن دخلت واشنطن من الباب الواسع على الملف الرئاسي".

وتوقعت "دخول موسكو على الملف الرئاسي؛ لأنها ليست في وارد إخلاء الساحة لواشنطن وباريس". وقالت إن "انشغالها في حربها في أوكرانيا لا يعني أنها مضطرة لعدم الالتفات إلى الساحة اللبنانية". وكشفت عن أن الإدارة الروسية «بدأت استكشاف الأجواء تحضيراً لإيفاد الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف إلى بيروت، وفي جدول أعماله التواصل مع حلفاء موسكو حول الاستحقاق الرئاسي؛ لأن لديها مخاوف من أن يتمدد عدم الاستقرار في لبنان إلى سوريا التي تحظى باهتمامها نظراً إلى النفوذ السياسي والعسكري الذي تتمتع به فيها».

لذلك؛ فإن لبنان يستعد، كما تقول المصادر، "للتعاطي مع حراك دولي أكثر فاعلية ينطلق بالتوازي مع دخوله؛ بدءاً من أول أيلول المقبل، في الاستحقاق الرئاسي؛ لأن المجتمع الدولي لن يتركه وحيداً، يقلع شوكه بيديه، خصوصاً أن إمكانية التوافق على رئيس جديد ما زالت متعذرة، ولا يمكن مقاربة هذا الاستحقاق من دون أن تتأمن له رافعة دولية تكون بمثابة كاسحة ألغام لتعطيل الفخاخ التي تعوق إنجازه في موعده".

أدوار إقليمية لباسيل

أكدت أوساط مطلعة عبر "الاخبار" بأن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لعب أخيراً أدواراً إقليمية متقدمة بحكم علاقته الوطيدة بالرئيس السوري بشار الأسد، فساهم في تقريب وجهات النظر في أكثر من ملف بين دمشق والدوحة، كما زار أخيراً تركيا، في زيارة مشابهة بعيداً من الأضواء، والتقى عدداً من المسؤولين الأتراك.

الفرزلي "يكوّع" مع السعودية

بدأ النائب السابق لرئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي "تكويعة" جديدة نحو حلفاء السعودية في لبنان، والتقى في هذا السياق شخصيات مسيحية مقربة من السعودية من بينها وزير الخارجية السابق فارس بويز، ومقرّبين من قائد الجيش العماد جوزيف عون.

وذكرت "الاخبار" بان الفرزلي يسوّق لحشد تأييد 14 آذاري لانتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيساً للجمهورية بدعم من الرياض ومن غالبية مسيحية ما يفرضه أمراً واقعاً على بقية القوى.

افرام "سكّر الحنفية"!

واشارت "الاخبار" الى انه بعد إنفاق مالي ضخم عشية الانتخابات النيابية الأخيرة، وبعدما "سكّرت" ماكينته فواتير المستشفيات والمدارس والصيدليات قبل التصويت، أقفل النائب نعمت افرام أبواب الخدمات بالكامل في وجه المحتاجين، لا سيما من كانوا يستفيدون من تقديماته الطبية.