طرح التقارب الأخير بين "الحزب التقدمي الاشتراكي" و"حزب الله" علامات استفهام عدّة في لبنان من قبل الخصوم والحلفاء. إذ في موازاة تعرضه لبعض الانتقادات من قبل أفرقاء في المعارضة فإن الأنظار تتجه لما ستكون عليه علاقة الاشتراكي مع «حزب القوات اللبنانية»، الخصم اللدود للحزب، لا سيما مع الاختلافات التي بدأت تسجل بينهما في الفترة الأخيرة وتحديداً حيال مقاربة استحقاق رئاسة الجمهورية.

لكن وبانتظار ما ستحمله المرحلة المقبلة على صعيد التحالفات السياسية وعلى رأسها مقاربة انتخابات رئاسة الجمهورية، يؤكد كل من «القوات» و«الاشتراكي» على أن هذا التقارب لن يؤثر على علاقة الطرفين والأبواب لا تزال مفتوحة بينهما للبحث في كل القضايا بما فيها استحقاق الرئاسة.

وذكر أمين السر العام في «الاشتراكي» ظافر ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن «اللقاء مع حزب الله لا يجب أن ينعكس سلباً على أي علاقة أخرى إلا إذا كان هذا الآخر هو من يريد ذلك، لأن هذا الحوار لا يستهدف أحداً بقدر ما هو محاولة خلق فرصة لإيجاد أرضية مشتركة وطنية للحلول في مختلف الاستحقاقات والملفات». واكد: «نحن لا نقوم بحوار مع طرف لنغلقه مع الآخرين بل المطلوب فتح قنوات التواصل بين الجميع خصوصاً أن الاستحقاقات داهمة، وحتى مع (القوات) أو غيرهم الأبواب ليست مقفلة أمام النقاش بمختلف الملفات».

وعن انتخابات رئاسة الجمهورية اوضح ناصر: «طالما نحن منفتحون على النقاش مع الجميع فاستحقاق الرئاسة من الملفات التي يمكن أن تناقش مع الجميع ومنهم القوات، وبالتالي الاختلاف أو الاتفاق حول هذا الملف رهن هذا النقاش والحوار»، مجددا التأكيد: «نحن لا نجد أن حوارنا مع حزب الله يجب أن يؤثر سلباً على ملف بعينه أو ملفات بعينها سواء مع القوات أو مع غيرها، إذا لكل نقاش وحوار مع أي فريق خصوصيته وطبيعته وعناوينه».

من جهته، اكد مسؤول الإعلام والتواصل في «القوات» شارل جبور: «أن هذا التقارب لن ينعكس سلباً على علاقتهم بـ(الاشتراكي)، معتبراً في الوقت نفسه أنه من المبكر الحديث حول استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية لا سيما أن المعارضة كما «حزب الله» وحلفاءه لم يتوصلوا حتى الآن إلى مقاربة مشتركة.

واوضح جبور لـ«الشرق الأوسط»: «العلاقات السياسية منفصلة عن بعضها البعض إذ إنه لكل فريق علاقاته وتفاهماته وتقارباته التي قد تلتقي أو تختلف مع الفريق الآخر»، مضيفاً: «ما يهمنا هو العلاقة مع كل فريق بمعزل عن علاقة هذا الفريق مع قوى أخرى إن كانت من خصوم القوات أو حلفائها لا سيما أننا اليوم لسنا على غرار حقبة اصطفافات 14 آذار و8 آذار، أي لسنا في جبهة سياسية واحدة».

وفيما يعتبر أن «علاقة الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط وحزب الله ليست جديدة أو مستجدة وهناك لقاءات دورية بين الطرفين»، يقول: «ما يهمنا هو العلاقة التي تربطنا مع (الاشتراكي) لجهة مقاربة الواقع السياسي في لبنان بأن هناك مشكلة ناتجة عن تغييب الدولة من خلال سلاح حزب الله وأيضاً القراءة المشتركة لكيفية تحويل الاستحقاقات الدستورية إلى محطات وطنية سيادية إصلاحية للحد من تأثير الحزب على الدولة لأنه بقدر ما يضع يده على الدولة بقدر ما يدخل لبنان في العزلة وفي المزيد من الانهيار، وهذا الأمر لا يزال محور تشاور وتباحث بين كل أطراف المعارضة ولم نصل حتى الآن إلى أي مقاربة مشتركة على غرار فريق 8 آذار، وبالتالي نعتبر أنه لا تأثير لهذا التقارب بين الحزب والاشتراكي».

وحول استحقاق انتخابات الرئاسة يرى جبور أنه «من المبكر الحديث عن مخاوف لانعكاسات هذا التقارب في ظل عدم قدرة مكونات المعارضة لغاية اللحظة، على توحيد صفوفها حول مرشح واحد، فضلاً عن أن جنبلاط أعلن أنه ضد وصول مرشح من 8 آذار للرئاسة في وقت تستمر الاتصالات للوصول إلى مساحة مشتركة بين المعارضة للاتفاق على مرشح يتمتع بصفتي السيادي والإصلاحي».

ويشار إلى أن سجالاً كان اندلع بين الطرفين قبل أسابيع قليلة على إثر مواقف أصدرها رئيس «الاشتراكي» عندما صرح بأنه «إذا قدم سليمان فرنجية برنامجاً متكاملاً فقد نقبل به»، وهو ما ردت عليه النائبة في «القوات» ستريدا جعجع، داعية إياه إلى «التقيد بالشراكة المسيحية – الدرزية واحترام خيارات أكثريّة المسيحيين والبطريركية المارونية في الانتخابات الرئاسية». وكان لافتاً أن السجال لم يأخذ حيزاً واسعاً في الإعلام حيث أشارت المعلومات إلى جهود بذلت من الطرفين لاحتوائه لكن من دون أن يسجل أو يعلن أي لقاء بين قيادات من الطرفين في الفترة الأخيرة.

هل يبقى الحوار محصورا؟

ويبقى السؤال: ما الذي يمنع تعدد الحوارات في الداخل عبر إزالة المتاريس السياسية التي تمنع التواصل؟ وهل يبقى الحوار يتيماً ويقتصر على «التقدمي» و«حزب الله»، أم إنه سيتمدد باتجاه الآخرين؟ مع أن حوارهما، وإن كان من موقع الاختلاف وربط النزاع، يبقى أفضل من القطيعة، وهذا ما عكس ارتياحاً لدى البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي رأى، خلال استقباله وفد «اللقاء الديمقراطي» برئاسة النائب تيمور وليد جنبلاط، أن «هناك ضرورة لتبادر الأطراف إلى التواصل بدلاً من التراشق؛ لأن إنقاذ البلد، بدءاً بتفويت الفرصة على من يراهن على استحالة انتخاب الرئيس في موعده، يبقى من الأولويات في جدول أعمال المرحلة السياسية الراهنة».

وفي هذا السياق علمت «الشرق الأوسط» أن الراعي أبلغ وفد «اللقاء الديمقراطي» بأن «أبواب بكركي تبقى مفتوحة أمام التواصل والحوار، وليس هناك من عائق لإحياء حواره مع (حزب الله) الذي توقف منذ سنوات، ولم تكن دعوته إلى حياد لبنان الإيجابي هي السبب». فهل يلتقط «حزب الله» تلك الإشارات السياسية بعد أن أُعلم بها بالواسطة من خلال بعض الذين يترددون إلى بكركي والمقر الصيفي للبطريركية المارونية في الديمان؟

وإلى أن يلتقطها، فإن الأنظار تتجه إلى اللقاء المرتقب للنواب المستقلين والمنتمين إلى قوى التغيير الذي يُعقد غداً الثلاثاء في مبنى البرلمان، وما إذا كانوا سيتوصلون إلى رسم خريطة الطريق لتوحيد موقفهم من الاستحقاق الرئاسي، ومدى استعدادهم للتلاقي مع الأكثريات النيابية التي هي على تشاور معهم.

قضاة محاكم التمييز: التعليق مستمر

الى ذلك، ذكرت "الاخبار" بانه ينعقد مجلس القضاء الأعلى غداً لاستكمال النقاش في مرسوم تعيين قضاة محاكم التمييز الذي أعاده وزير العدل هنري خوري إلى رئيس المجلس القاضي سهيل عبّود لإعادة النظر فيه، بعد رفض وزير المالية يوسف الخليل توقيعه لـ«عدم مراعاة التوازن الطائفي». وكان المجلس عقد جلسة الخميس الماضي من دون أن يتخذ قراراً في الأمر، بسبب الخلاف السياسي حول ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، والذي تنتظر دعاوى متعلقة به تعيين القضاة لاستكمال نصاب الهيئة العامة، فيما تؤكد مصادر في «العدلية» أن عبّود لا يريد حلّ هذا الملف وإنما استثماره سياسياً.