على وقع التحضيرات التي كان يقوم بها وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال ​عصام شرف الدين​ لزيارة ​سوريا​، كان من المقرر أن تكون الزيارة مباشرة بعد عطلة عيد الأضحى، وكانت المؤشرات، التي تؤكد أن ​المجتمع الدولي​ لا يزال على موقفه من ملف النازحين، تتزايد، بعيداً عن التطور الذي سجل في رؤية معظم القوى لهذا الملف، الذي أوحى بأنه بات هناك شبه إجماع لبناني على ضرورة الذهاب إلى معالجته سريعا.

من حيث المبدأ، ليس هناك في لبنان من هو قادر على إنكار وجود جوّ جديد في التعامل مع هذا الملف، لكن من الناحية العملية ليس هناك من خطة قادرة على المعالجة، خصوصاً أن المعطيات توحي بوجود إنقسام بين الجهات المعنية، نظراً إلى أن القسم الأكبر من المسؤولين لا يزال يراهن على التعاون مع المجتمع الدولي، مفضلاً عدم الذهاب إلى التعاون مع الجانب السوري، خوفاً من التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك.

هذا الواقع، برز من خلال الخلاف المستمر مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، التي لا تزال ترفض التعاون الجدي مع السلطات الرسمية، في حين هناك من يرى أن الحكومة السوريّة غير جدّية في مواقفها المعلنة، الأمر الذي أعطى أهمية كبرى لزيارة شرف الدين إلى دمشق، التي بدأت أول من أمس، خصوصاً أنه يحمل معه خطة تقوم على أساس إعادة نحو 15 ألف نازح شهرياً.

في هذا السياق، تؤكد مصادر الوفد اللبناني، عبر "النشرة"، أن أجواء الإجتماعات التي عقدت كانت إيجابية جداً، لا سيما أنه تم وضع النقاط على الحروف، حيث أبدى الجانب السوري الجهوزية الكاملة من الناحية اللوجستية، مؤكداً القدرة على إستيعاب أعداد أكبر من الراغبين في العودة، لكن هذا الأمر يتطلب تنسيقاً من المفترض أن يتعزز في المرحلة المقبلة.

على صعيد متصل، تستغرب هذه المصادر الحديث الدائم، في بعض الأوساط اللبنانية، عن عدم رغبة دمشق في إعادة النازحين إليها، بظلّ تأكيد ​الدولة السورية​ منذ سنوات عن رغبة في التعاون مع الجانب اللبناني، لكنها في مطلق الأحوال تذهب إلى التشديد على أن المطلوب ملاحقة كافة الجهات المعنية في هذا الملف حتى النهاية، وبالتالي تطرح سؤالاً إفتراضياً عن أسباب عدم الذهاب إلى "حشر" دمشق في الزواية، عبر فتح الملفّ بشكل جدي.

من ناحية أخرى، تلفت مصادر مطّلعة على هذا الملف، عبر "النشرة"، إلى أن المشكلة الأساسية في الداخل اللبناني، حيث تغيب الجدية عن متابعته من قبل بعض الجهات المسؤولة، في حين أن هذه الأزمة كبيرة جداً ويجب أن تعطى الأولوية على المستوى الرسمي، خصوصاً أن إعادة القسم الأكبر من النازحين قد تخفف من تداعيات التدهور القائم على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، من دون تجاهل وجود أبعادٍ أمنية خطيرة لها تبرز بين الحين والآخر.

بالنسبة إلى هذه المصادر، المطلوب بالحد الأدنى العمل على إعادة إطلاق الآلية التي كانت معتمدة من جانب الأمن العام اللبناني بشكل أكبر، بالإضافة إلى حملات إعلامية مكثفة تشجع النازحين على العودة، بالتزامن مع الذهاب إلى وضع مهلة زمنية لهذه العودة، من خلال عقد مجموعة من الإجتماعات الموسعة بين المسؤولين، وتؤكد أن هذا الملف لم يعد يحتمل المزيد من التأخير أو المماطلة، نظراً إلى أن فاتورة ذلك على الواقع المحلي كبيرة جداً.

في هذا الإطار، تعود مصادر الوفد اللبناني إلى التشديد على أنه لا يمكن الحديث فقط عن عودة طوعية، نظراً إلى أنه لا يمكن أن يترك الخيار للنازحين لتقرير ذلك، وتجزم أن الجانب السوري لم يتحدّث عن أعداد محددة من قبله، بل لفت الى أن الأبواب مفتوحة لمن يريد العودة في كافة المراحل، لكن المطلوب التنسيق على مستوى التفاصيل.

بالإضافة إلى ذلك، تشدّد هذه المصادر على ضرورة تحديد مسؤولية المنظمات الدولية، لا سيما الأممية منها، لناحية رغبتها في المساعدة أو الإستمرار في العرقلة، نظراً إلى أن مبادرتها إلى المساعدة من الممكن أن تسهّل المهمّة، بينما في حال لم تكن ترغب في ذلك فإنّ السؤال من المفترض أن يطرح حول ما إذا كان الجانبان اللبناني والسوري سيبقيان في موقع المتفرج؟!.

في المحصّلة، مرّة جديدة تؤكّد دمشق رغبتها في التعاون في ملفّ النازحين، الأمر الذي يفرض على الجانب اللبناني، بغضّ النظر عن الشكوك التي لدى البعض حول حقيقة هذه الرغبة، إلى المبادرة سريعاً لتفعيل قنوات الإتصال على مستوى أكبر، نظراً إلى أهمّية هذا الملفّ وتداعياته الخطيرة على الواقع المحلي، لا سيما أنّ موقف المجتمع الدولي لم يتبدل منذ سنوات.