كان لافتاً ما صدر عن قصر بعبدا بعد لقاء وزير التنمية الدولي الكندي هارجيت ساجان برئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، ما تضمنه الخبر عمّا قاله الوزير الكندي حول مسألة المهجرين لجهة دعم عودتهم ورفض دمجهم بالمجتمعات التي تستضيفهم على اراضيها، وقد اتى هذا الموقف بمثابة بلسم ودفعة معنوية للبنان الذي استيقظ متأخراً للتحرك في وضع الخطط واستنهاض الهمم لجذب اكبر عدد ممكن من التأييد الدولي لقرار اعادة ​النازحين السوريين​ على دفعات، الى سوريا، وشكا من أنّ بلاده استقبلت 60 الف نازح سوري... نعم 60 الف نازح في بلد هو الثاني في العالم من حيث المساحة الجغرافية.

ولكن، هذا الكلام كان قبل قيام مكتب الاعلام في ​رئاسة الجمهورية​ بسحب النص الموزّع واستبداله بنص آخر، تضمّن كلاماً آخر يرتكز الى "الاسطوانة" الدوليّة نفسها التي يتمّ تردادها حول عدم الضغط على النازحين وعدم توافر الظروف الآمنة لهم للعودة الى بلادهم. اللافت في هذا الاستبدال انه تمّ من دون أيّ اشارة الى وجود تصحيح او توضيح، ما يعني انه لم يكن هناك من خطأ ارتكب، بل مجرد "استفاقة" من قبل المسؤولين الكنديين، ربما اتى بعد "ملاحظات" وصلت اليهم حول ضرورة الانتباه الى ما يقوله المسؤول الرسمي الكندي لان من شأنه ان يؤدي الى انقسام في الموقف الدولي الموحّد الداعم لبقاء النازحين في البلاد التي يتواجدون فيها حالياً. ليس من عادة مكتب الاعلام في قصر بعبدا القيام بمثل هذا الامر، ما يعني أنّ المشكلة في مكان آخر، وتحديداً لدى الجانب الكندي. وهذا الامر إن دلّ على شيء، فعلى ان كل ما يقوم به لبنان من محاولات للتخفيف من ارقام النازحين وتقليل خسائره، لن يكون اكبر من محاولاته السابقة التي قام بها الامن العام بشخص مديره العام ​اللواء عباس ابراهيم​، والتي لم تفضِ سوى الى اعادة مئات قليلة من النازحين، قبل ان تتوقف وتدخل عالم النسيان.

قالتها الامم المتحدة بالفم الملآن، وها هي ​كندا​ تقولها اليوم ايضاً بوضوح عبر الغموض الذي لفّ كلام وزيرها ساجان في القصر الرئاسي: لا رغبة لنا في عودة النازحين السوريين الى بلادهم، ونحن نرحب بزياراتهم المتكررة الى سوريا وعودتهم بعدها الى لبنان، كما سنبقي على مساعداتنا لهم على الاراضي اللبنانيّة، ولن نسمح باستقبال اعداد كبيرة منهم على اراضينا مهما كان حجم المساحة الجغرافية لدولنا. وما يمكن فهمه ايضاً من هذا الموقف، هو ان الخارج يتهيّأ للقيام بتحرك مضاد كفيل باجهاض المحاولة اللبنانية، وكسر التفاؤل الذي ساد والكلام الايجابي الصادر عن السلطات السوريّة بتسهيل عودة من يرغب من النازحين الى اقصى الدرجات، بدعم روسي مباشر. وعليه، بدأ اداء التشاؤم يخيّم على المعسكرين اللبناني والسوري، وبدأ الكلام عن بقاء النازحين على الاراضي اللبنانيّة يكبر اكثر فأكثر، الى حدّ انه بات من الطبيعي الحديث عن "الاندماج الكبير"، ومن الخطأ التعبير عن الرغبة في مساعدتهم على العودة الى اراضيهم واهلهم وبلادهم. يرتكب العالم خطأ كبيراً سبق ان وقع فيه في واقعة اخرى تتعلق باتهام كل من يعادي سياسات ​اسرائيل​ ويناهض مواقف سياسييها ومسؤوليها بأنه "معاد للسامية"، وها ان المجتمع الدولي اليوم يتّهم بطريقة غير مباشرة، كل لبناني يدعو الى عودة النازحين السوريين الى سوريا، بأنه عنصري ويشجّع على الجريمة! متناسين الجريمة التي ترتكب بحق اللبنانين الذين وجدوا انفسهم غرباء في ارضهم، ويعانون من "اضطهاد" سياسي ومالي واقتصادي واجتماعي ومعيشي وأمني.

أمل البنانيون ان يكون الوزير الكندي قد اصبح لبنانياً لفترة وجيزة جداً، قبل ان يعودوا الى رشدهم ويدركوا انه تمّ استبدال العاطفة الدوليّة الانسانيّة في موضوع النازحين، بسياسة المصالح والمكاسب التي تفرض نفسها حتى اشعار آخر، قد يطول ويطول.

الصورة من دالاتي ونهرا