بعدما كان متوقَّعًا أن يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية مع بدء المهلة الدستورية المخصّصة لذلك في الأول من أيلول المقبل، أي قبل شهرين من انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون، بدأ الحديث في اليومين الماضيين عن "تأجيل" هذه الدعوة إلى نهاية أيلول بالحدّ الأدنى، لأسباب واعتبارات شتّى.

من بين الأسباب "الموجبة" لهذا "التأجيل"، بحسب ما تكشف بعض الأوساط السياسية، إضافة إلى أنّ ظروف الاستحقاق لم تنضج، ومعظم الكتل لم تأخذ قرارها، ولا يرجّح أن تأخذه في غضون عشرة أيام، أنّ رئيس مجلس النواب يريد تمرير القوانين "الإصلاحية" قبل أن يصبح دور مجلس النواب "محصورًا" بانتخاب رئيس الجمهورية، لفترة يُخشى أن تكون "مفتوحة".

لكنّ ثمّة همسًا يعتبره كثيرون "غير بريء"، يدور في العديد من الأوساط السياسية والصحافية حول سبب "مضمر" آخر خلف التأجيل، يكمن في انتظار قرارات المجلس الدستوري بالطعون المقدّمة أمامه بنتائج الانتخابات النيابية، وهي التي يتوقّع أن تصدر خلال شهر أيلول، وفقًا لتقديرات الخبراء القانونيين، وقد يُبنى عليها الكثير في المعادلات "الرئاسية" المرتقبة.

من هنا، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام عن مدى وجود "رهان" على هذه الطعون ونتائجها لتغيير "قواعد اللعبة" رئاسيًا؟ وهل ثمّة من يعتقد أنّ هذه الطعون يمكن أن تغيّر شيئًا في شكل "الأكثرية النيابية"، وصولاً إلى حدّ "قلب موازين القوى" كما ألمحت بعض القوى السياسية؟ وهل يمكن أن تفرز عمليًا "أكثرية واضحة"، بمعزل عن تلك "المشتتة" حاليًا؟.

لا شكّ أنّ النقاش حول الطعون الانتخابية، الذي بدأ "يتسلّل" إلى المشهد السياسي في الأيام القليلة الماضية، لم يأتِ من العدم أو عن عبث، انطلاقًا من المبدأ القائل بأن "لا دخان بلا نار"، ولكن أيضًا استنادًا إلى بعض التسريبات الصحافية التي تداولتها منصّات التواصل الاجتماعي بكثرة هذا الأسبوع، وما تضمّنته من "تكهنات" حول اتجاه المجلس الدستوري لقبول عدد من الطعون، لصالح فريق سياسي محدّد هو "حزب الله" وحلفاؤه.

ولعلّ ما بدا أكثر من لافت في هذا السياق أنّ بعض هذه "التكهنات" ذهبت إلى حدّ تسمية بعض النواب الذين ستسقط عضويتهم، إما مباشرة أو تلميحًا، وبينهم مثلاً النائب فراس حمدان الذي لم يطعن بنيابته المرشح الخاسر فقط، كحال معظم الطعون أخرى، وإنما جميع النواب الفائزين عن تحالف "حزب الله" و"حركة أمل" المواجه له، كما حُكي عن طعن "شبه محسوم" لصالح فيصل كرامي في طرابلس مثلاً، بعد "البلبلة" التي أثارتها نتيجة الانتخابات في الدائرة الشمالية.

من هذا المنطلق، يُعتقد أنّ "تغريدة" رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع حول "ضغوط كبيرة" تُمارَس على المجلس الدستوري من "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" من أجل قبول بعض الطعون، بهدف قلب موازين القوى داخل البرلمان قبيل الانتخابات الرئاسية، لتكمّل الصورة، باعتبار أنّ جعجع "اللاهث" خلف مشروع "توحيد المعارضة" يحاول الإيحاء بأنّ هناك من يريد ضرب "جهوده" من خلال إخراج بعض نواب المعارضة من المعادلة.

ومع أنّ أوساط "القوات" تؤكد أنّ جعجع لم يقصد بكلامه الحديث عن حزبه حصرًا، بدليل أنه سمّى منطقة مرجعيون، حيث لم تخض "القوات" المعركة من الأساس، فإنّ هناك من المحسوبين عليها من يضع الضغوط في إطار "مخطط" أصبح أكثر من واضح، لتضييع "الأكثرية الحقيقية"، وفق ما يصفونها، خصوصًا بعد محاولة "استمالة" رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط من خلال التقارب معه، وهو ما بقيت ترجمته "محدودة" حتى الآن.

لكن، في مقابل الموقف "القواتي"، ثمّة من يعتبر أنّ حديث جعجع ينطوي على "مبالغات هائلة"، أولاً باعتبار أنّ المجلس الدستوري لا يزال في طور "التحقيق" بالطعون المقدّمة أمامه، وفق ما أكد في بيان "توضيحي" صادر عنه، علمًا أنّ "التشكيك" بأعضائه قد لا يكون موفَّقًا، من جانب من يتمسّك بدولة "القانون والمؤسسات"، ولو أنّ هناك بالفعل علامات استفهام مشروعة تُطرَح حول "حيادية" المجلس، الذي سبق أن نجحت التدخلات السياسية في "شلّه" أكثر من مرّة.

لكن، بعيدًا عن الحكم عن "نزاهة" هذا المجلس، يبدو الحديث عن "قلب موازين القوى" داخل البرلمان، مستفزًا ونافرًا للكثير من خصوم "القوات"، الذين يسألون عمّا إذا كان هناك من لا يزال مقتنعًا أنّ جعجع حقّق "انتصارًا" في الانتخابات انتزع بموجبه الأكثرية النيابية، وأصبح قادرًا على التحكّم بكلّ الاستحقاقات، كما أوحى ليلة الانتخابات حين أعلن أنّه من سيختار رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان.

وفيما بدا واضحًا أنّ "حسابات" جعجع، أو ربما "أمنياته"، وفق توصيف خصومه، لم تتطابق مع "حسابات" الواقع، بدليل خسارته كلّ الاستحقاقات السابقة، حتى ذلك الاستحقاق "اليتيم" الذي توحّدت فيه المعارضة لإيصال النائب غسان سكاف لنيابة رئاسة البرلمان، على حساب النائب الياس بو صعب، فإنّ كلّ المعطيات توحي بأنّ "المصير نفسه" سيتكرّر في الانتخابات الرئاسية إذا ما أصرّ جعجع على خيار "المواجهة"، لا "التفاهم".

ويحيل خصوم جعجع المتردّدين إلى بعض مواقف المعارضين الذين يريدهم جعجع في صفّه منه شخصيًا، للتأكيد على أنّ طموحه توحيد المعارضة، وإن كان مشروعًا، يبقى مهمّة "تعجيزية"، فحزب "لنا" مثلاً الذي تنتمي إليه النائبة "التغييرية" حليمة قعقور وصفه بـ"الذكوري" و"مدّعي السيادة"، فيما النائب مارك ضو هاجمه على خلفية "تخوينه" أيّ نائب معارض لا يسير مع الآخرين، واعتبر أنه يتبنى بذلك أسلوب "حزب الله" وأدبيّاته.

قد يكون هناك فعلاً من ينتظر الطعون الانتخابية، ويعوّل عليها رئاسيًا، ربما لطرح "معادلات" جديدة، أو بدافع "الابتزاز" ليس إلا، لكنّ الحديث عن "قلب موازين القوى في البرلمان" لا يبدو شديد الواقعية، فكلّ المعطيات المتوافرة توحي بأنّ البرلمان مشتّت الأكثريات، وسيبقى كذلك، علمًا أنّ هناك من يتحدّث عن تحالفات "على القطعة"، بدليل أنّ هناك من يؤكد أنّ حلفاء "حزب الله" لن يسيروا بدعم الوزير السابق جبران باسيل، حتى لو قرّر الأخير مساندته رئاسيًا!.