من حيث المبدأ، التطرق إلى الإستحقاقات الدستورية، بعد العام 2005، بات يفترض الحديث عن مرحلتين: الأولى هي تلك التي كانت تسبق هذا التاريخ، أي قبل إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، أما الثانية فهي تلك التي تلت هذا التاريخ، نظراً إلى إفتقاد البلاد إلى المايسترو الذي كان يدير العملية السياسية، الأمر الذي ترجم خلافات متكررة لا تنتهي قبل الوصول إلى تسويات كبرى.

في المرحلة الراهنة، الجميع ينتظر إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية المقبلة، في ظل شبه إجماع على أن البلاد ذاهبة إلى الفراغ، بسبب عدم بروز أي شخصية قادرة على أن تكون نقطة إلتقاء بين الأفرقاء المحليين الأساسيين، يمكن أن يتم التوافق عليها أيضاً بين الجهات الدولية والإقليمية المؤثرة.

في هذا الإطار، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن نقطة الخلاف التي قادت إلى ما حصل في العام 2005، على الأقل في الشكل، كانت الإنقسام حول تمديد ولاية الرئيس السابق إميل لحود، بينما بعد نهاية ولاية لحود، في شهر تشرين الثاني من العام 2007، فشلت القوى المحلية على وقع الخلافات بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار في الوصول إلى إتفاق على إسم جديد، الأمر الذي قاد إلى فراغ، إستمر حتى 25 أيار 2008، أي تاريخ إنتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان، الذي جاء نتيجة تسوية عقدت في الدوحة.

بعد إنتهاء ولاية سليمان لم يكن المشهد مختلفاً، حيث قادت الخلافات إلى فراغ جديد، استمر من 24 أيار 2014 حتى 31 تشرين الأول 2016، لم ينته إلا بمجموعة من التسويات أوصلت ميشال عون إلى سدة الرئاسة، أبرزها كان بين "التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل" وبين "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، لكن المؤثرات الخارجية لم تكن بعيدة، بالرغم من إصرار الجميع حينها على الحديث عن رئيس "صنع في لبنان".

في قراءة مصادر سياسية مطلعة، ما تقدم يقود إلى الإستنتاج أن الفراغ الرئاسي بات أمراً محتوماً عند كل إستحقاق من هذا النوع، بدليل الوقائع الراهنة التي ترجح الذهاب إلى ذلك على إحتمال الإتفاق على إنتخاب رئيس جديد، لا سيما أن المواقف بين الأفرقاء المحليين، التي يتم التعبير عنها عبر المواصفات والطروحات التي تقدم، متباعدة إلى حد بعيد، ومن غير المتوقع أن تتقارب في وقت قريب، لا سيما أن الجميع يعتبر أن هذا الإستحقاق من المفترض أن ينقل البلاد إلى مرحلة جديدة.

بالإضافة إلى ذلك، تلفت هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن أي تسوية لا يمكن أن تمر من دون أن تتوفر لها ظروف محلية وخارجية مساعدة، أي أن إنتخاب الرئيس الجديد يتطلب أن يكون هناك توافقاً على الإسم متعدد الإتجاهات، وتشير إلى أن هذا الأمر، في الوقت الراهن، غير متوفر، الأمر الذي يدفع إلى الإعتقاد بأن الفراغ سيكون سيد الموقف، على أن يقود ذلك لاحقاً إلى الإتفاق على رئيس جديد، بحسب الظروف التي ستكون متوفرة في لحظة التسوية.

من وجهة نظر المصادر نفسها، تلك الظروف، التي قد يجري العمل على تحضير الأرضية لها ولا تكون عفوية فقط، هي التي تحدد المواصفات المطلوبة، أي رئيس ذو خلفيات إقتصادية أو سياسية أو عسكرية، لكن في الوقت نفسه هناك عوامل أخرى قد تلعب دوراً كبيراً في الإستحقاق المقبل، منها إمكانية حصول خلافات دستوريّة حول قدرة حكومة تصريف الأعمال على تسلم صلاحيات رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى الضغوط الخارجية التي قد تصل إلى حد التلويح بفرض عقوبات على بعض الأفرقاء، بهدف دفعهم إلى تقديم تنازلات.

في المحصلة، الأيام المقبلة ستكون مفصليّة على أكثر من صعيد، من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية إلى عودة البحث في تأليف حكومة جديدة، لكن الأكيد أن إحتمال الفراغ على مستوى الرئاسة هو المرجح، إلا إذا حصلت تسوية سبقت موعد إنتهاء ولاية عون، الأمر الذي لا يزال مستبعداً في ظل الظروف الحالية.