بَينَ الإسلامِ ولبنانَ أسلوبٌ لَيسَ إجتِراراً لِما سَبَق، وَمَنطِقٌ مُغايرٌ لِما عَتَق: هو لِلبنانَ مَقاماتِ واقِعٍ. ولبنانُ لَهُ إنصافُ تَطَلُّعاتٍ بِوَجهِ مَرارَةِ الواقِعات. كِلاهُما: لبنانُ والإسلامُ فيهِ: وِحدَةُ صِدقٍ بالحَقِّ، بِهِ يَتبَرَّرُ الإنسانُ بِذاتِهِ. مَعاً، هُما الجُغرافيا المُستَلهِمَةُ المَطارِحَ المُنسَكِبَةَ حُريَّةً مَن أبَدِ الرَحمَنِ.

هو الإسلامُ اللبنانِيُّ يُحرِّرُ لبنانَ مِن عَنتَريَّات بَني شَدَّادَ، المُتَبَرِّرَةِ بالعَجزِ، والمُستَكبِرَةِ بالخَوفِ: مَنَ المَنطِقِ حيناً وَمِنَ الآخَر أحياناً. وَحينَ اللاخَوفَ، تَختَلِقُهُ. مُقاوَمَتُها: رَصفُ عَروضٍ وَصَكُّ قوافٍ مَفتونَةٌ بِمَصدَرِ خَوفِها: تَتَلَزَّمُ لَهُ، وَتَهوى تَقليدَهُ، وَتَستَقوي بِهِ، حَدّ َالثَمالَةِ تَلحَقُ بالسَرابِ ولا تَقوى على العَدَمِ.

هو ذَلِكَ، الإسلامُ اللبنانيُّ، الحَقُّ. الإسلامَ اللبنانِيُّ المُتَمَكِّنُ. أنا مِنهُ. أنا إلَيهِ. إعتِناقي لَهُ، لا يَحجُب عَنِّي آلامَهُ، إذ هو شَرطُ إنسانِيَّتي التي أحياها، كُلَّما حَييتُ حُرَّاً، وَحُرَّاً لِيَومِ الدينِ. بِهِ إنسانِيَّتي مُلزَمَةٌ، بِحوارِها مَعَهُ، التَبَرُّكَ بِهِ.

مِن يَقينِهِ الى ذاتِهِ، هَكَذا، إتِّحادي دَوماً بِضَميرِهِ المُتواصِلِ بَينَ مَن ناضَلوا مِن أجلِهِ، وَمَن بالنِسبَةِ إليهِمِ حُلمُ اللاحِقِ. وَهوَ بَذَلِكَ يَتأبَّدُ تَخاطُباً يَلتَمِسُ النورَ طَريقاً وَهوَ العَدلُ.

مِن هُنا، عِبرَتُهُ: لِكُلُّ أرضٍ مَهابَتُها التي لا تَندَثِرُ خَلفَ جَهلٍ مُنتَشِرٍ أو بِسَبَبِ قَمعٍ مُستَتِرٍ. يَقينُه، في مَدى حَكمَتِهِ، والحِكمَةُ مَكنوناتُ حَياةٍ. وَمَداهُ في قُدرَتِهِ على الخُصوصِيَّةِ حينَ يُستَهدَفُ يَقينُه في ذاتِهِ.

وَشَعبُ لبنانَ مُبتكِرُ عَبقَرِيَّةِ ريادَةِ المَهابَةِ، إذ يُؤمِنُ اللبنانيُّ، المُسلِمُ الحَقُّ، أنَّ في عُمقِ أعماقِهِ مَسيحِيَّةً وافِرَةً، وإذ يؤمِنُ اللبنانيُّ، المًسيحيُّ الحَقُّ، أنَّ لبنانَ مِن دونِ الإسلامِ قِمَمٌ، كَسائِرِ تِلكَ الراحِلَةِ لِعَدَمِ إحتِكاكِها بإمتِداداتِ صَحارى، والمُستَفحِلَةِ تألُّهاً لِذاتِها مِن دونِ تَفاعُلاتٍ وَلَّدت تَواريخاً.

قَد تَكونُ قَلَّةٌ، هَذا إيمانُها، أنا لا تَهُمُّني قِلَّةٌ أو كَثرَةٌ: لَيسَ الإيمانُ عَدَدِيَّةً بَل تُراباً لا يَرحَل.

العَطِيَّةُ

أجَل! لَقَد أُعطِيَ المُسلِمونَ اللبنانِيُّونَ أن يَكونوا سُنَّةُ، شيعَةً، دُروزاً، عَلَويِّينَ...

أُعطوا أن يَكونوا فِعلاً غائِيَّاً يَجمَعُ المُطلَقَ الى الآنِّي، والفُرصَةَ الى الحاضِرِ.

أُعطوا أن يَكونوا أسَسِيَّةَ وَعدٍ تُؤَكِّدُ أنَّ الإسلامَ إنبِساطٌ حَضارِيٌّ، لا لَعنَةً مِن غَياهِبِ اللعَناتِ.

أُعطوا أن يَكونوا آفاقَ عَهدٍ، لا سُكونَ ظِلالٍ تَستَعشِقُ بائِدَها.

الوَيلُ لَهُم، إن لَم يَعتَبِروا لبنانَ فِعلَ إرادَةٍ، قادَهُم إليهِ تاريخٌ خاصٌّ الى تاريخٍ مُشتَرَكٍ مع المَسيحِيَّةِ واليَهودِيَّةِ!

الوَيلُ لَهُم، إن لَم يُصَدِّقوا أنَّ بُلوغَ لبنانَ لا يَقِفُ عِندَ حُدودِ تَسوياتٍ عابِرَةٍ يُنقَضُّ عَلَيها، وإن صَدَّقوا أنَّ اللبنانَويَّةَ مُغالَطَةٌ عابِرَةٌ لا صِيغَةَ ثائِرَةً!.

الوَيلُ لَهُم، إن إستَكفوا أنَّ النَموذَجَ اللبنانيَّ الذي أسهَموا في تَراكُمِ إبتِداعِهِ، مُرتَهَنٌ لإزدِواجِيَّةِ سَلبيَّات، مُوَجَهَّةَ تارَةً الى خارِجَ: "لا لِشَرقٍ ولا لِغَربٍ"، وأطواراً لِداخِلَ: "لا غالِباً ولا مَغلوباً"... مُستَنكِفينَ لواقعَ سَيطَرَةٍ لا حُدودَ لِتَقلُّباتِها!.

الوَيلُ لَهُم، إن لاذوا الى تَقَوقُعِ مَواضي حَذرٍ، وإنحَظَروا عَن إختِلاقِ قواسِمَ مُصالَحَةِ الوِجداناتِ، وَطمأنَتِها، لِتَوطيدِ فِكرَةِ لبنانَ وَوِحدَتِهِ!.

الوَيلُ لَهُم، إن لَم يَبتَكِروا، مِن جَسَدِهِم المُثخَنِ بِجِراحِ القواسِمَ التي تُبَدِّدُ وتُخاصِمُ، مَنطِقاً جامِعاً يَتَخَطّى الخُصوصِيَّاتِ بالمُحافَظَةِ عَلَيها، في حَياةٍ مُشتَرَكَةٍ!.

الوَيلُ لَهُم إن لَم يطأوا إستِرهاناتِ الضَياع: الإستِقواءَ بِما ل"اللهِ"، والإستِفرادَ بِما ل"قَيصَرَ"، وإستيلابَ ما للإنسانِ، ويَتَصَلَّبوا مَقصِدَ ذاتِيَّةِ لبنانَ!.

... وارُحمانهُ، مَن إيمانُ إسلامِهِ على قَدرِ لبنانَ!.