تفاءل الكثير من اللبنانيين خيرًا، الأسبوع الماضي، بعدما "التأم الشمل" بين رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلف رئيس حكومة تصريف الأعمال ​نجيب ميقاتي​، في قصر بعبدا، بعد "قطيعة" طويلة استمرّت، منذ أن طلب الأخير، وفق ما يقول، موعدًا للقاء الرئيس، فوُعِد بردّ على طريقة "سنعود بعد قليل"، وهو ما لم يحصل بتاتًا.

أما المفاجأة الإيجابية، وربما "الصادمة"، فتمثّلت بالتعليق المقتضب الذي أدلى به ميقاتي بعد اللقاء للصحافيين، حين تحدّث عن وجهات نظر "متقاربة" تخلّلها اللقاء، وإن ذكّر بالتشكيلة التي قدّمها إلى رئيس الجمهورية منذ 29 حزيران الماضي، أي بعد يوم واحد من إنجازه الاستشارات النيابية غير الملزمة، ما فُسّر على أنّه "تمسّك" بهذه المسودّة المرفوضة رئاسيًا.

لكن، وكما أنّ "كلام الليل يمحوه النهار"، غابت أيّ "مفاعيل" للقاء القصر، حتى إنّ عبارة "للحديث تتمّة" التي أنهى بها ميقاتي دردشته مع الصحافيين حُذِفت من التداول، ربما لغياب أيّ "تتمّة" للقاء، الذي يرى البعض أنه لم يحمل "جديدًا نوعيًا" يُبنى عليه، خلافًا للانطباع الذي أراد رئيس حكومة تصريف الأعمال "ترسيخه" في الأذهان بعد الزيارة، لغاية في نفس يعقوب.

فلماذا بقي اللقاء "يتيمًا" بلا "تتمّة" ولا من يحزنون؟ هل عادت الأجواء بين عون وميقاتي لتتلبّد من جديد، بعدما انفرجت لـ40 دقيقة لم يستغرق اللقاء أكثر منها؟ هل يمكن الحديث عن حراك حكومي جديد فعلاً، أم أنّ هذا الحراك انتهى قبل أن يبدأ، أم أنه، وفق ما يقول البعض؟ وهل يصحّ القول إنّ هذا الحراك لا يعدو كونه "مسرحية لرفع العتب" ليس إلا؟!.

بمعزل عن "جدية" الحراك الذي استجدّ من عدمها، فإنّ المشهد الحكوميّ خلال اليومين الماضيين بدا "مكرَّرًا" لحدّ "الملل"، فكما في كلّ مرّة، عاد اللاعبون ليقفزوا فوق كلّ الإيجابيات المزعومة، في سبيل تبادل الاتهامات وتراشق المسؤوليات، وعاد كلّ كل فريق ليمارس هوايته المفضّلة باتهام الفريق الآخر بأنّه "لا يريد" تشكيل حكومة من الأساس، وأنّه "يراهن" على متغيّرات قد تقلب موازين القوى على أبواب الاستحقاق الرئاسي.

من هذا المنطلق، لم يتأخّر فريق رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي باتهام رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق ​جبران باسيل​ بالوقوف خلق التعثّر الطارئ، والإطاحة بكل الإيجابيات التي انبثقت عن اللقاء الأخير بين ميقاتي ورئيس الجمهورية، باعتبار أنّ الأجواء كانت ودية وإيجابية خلال الاجتماع، لكنّها "انقلبت" 180 درجة بعده، نتيجة رفض الوزير باسيل لكلّ الأفكار التي طُرِحت خلاله، رغم "انفتاح" الرئيس عون عليها.

ويقول هؤلاء إنّ الوزير باسيل لا يريد ببساطة تسهيل ​تشكيل الحكومة​، فهو لا يزال يفرض الشروط والشروط المضادة، ويرفض أيّ تشكيلة وزارية لا تؤمّن له "انتصارًا معنويًا"، خصوصًا أنّه ينظر إلى هذه الحكومة على أنّها ستملأ "​الفراغ الرئاسي​" في حال حصوله، وهو يفضّل عدم وجودها، مع ما قد يترتّب على ذلك من اجتهادات وفتاوى دستورية، على أن تكون حكومة لا يملك فيها الثقل الوازن، وبالتالي القدرة على التأثير، وربما التعطيل.

في المقابل، لا يتأخّر المحسوبون على باسيل في رمي الكرة في ملعب ميقاتي، الذي يتّضح من أدائه منذ اليوم الأول أنه "يستقوي" بجمعه لقبي رئيس الحكومة المكلف ورئيس حكومة تصريف الأعمال، لرفض إبداء أيّ مرونة أو ليونة، بل إبداء "عدم اكتراثه" بتأليف الحكومة، باعتبار أنّه "باقٍ" مكانه، سواء شُكّلت حكومة أم لم تشكَّل، متجاهلاً كلّ الفتاوى الدستورية عن إشكالية استلام حكومة مستقيلة صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الفراغ الرئاسي.

ويعتبر المقرّبون من رئيس "التيار الوطني الحر" أنّ تمسّك رئيس الحكومة المكلف بالمسودّة الحكومية التي قدّمها لرئيس الجمهورية منذ اليوم الأولى، وإصراره على الاستناد إليها في أيّ نقاش حكوميّ، خير دليل على أنّه ليس مهتمًا بتشكيل حكومة، علمًا أنّ "التنازلات" التي يوحي بتقديمها، على غرار قبوله ببقاء الوزير وليد فياض في موقعه، لا تسمن ولا تغني من جوع، طالما أنه يرفض أيّ تعديلات في الجوهر على صيغته، ويريدها كما هي.

وبين هذا الرأي وذاك، ثمّة بين العارفين من يؤكدون أنّ كلّ ما جرى على المستوى الحكومي منذ الاجتماع بين عون وميقاتي الأسبوع الماضي، ليس أكثر من "وقت ضائع"، وهو ما يدركه الفريقان المتنازعان كما باقي الأفرقاء، خصوصًا أنّ الجميع سلّم باستحالة تشكيل حكومة جديدة وحصولها على الثقة في الوقت "المستقطع" المتبقّي من "العهد"، ولا سيما أنّ أقل من عشرة أيام باتت تفصل عن بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

لذلك، يعتقد هؤلاء أنّ كلّ محاولات "إنعاش" مهمّة تأليف الحكومة تأتي من باب "رفع العتب" ليس إلا، وحتى يقول كلّ فريق أمام جمهوره أنّه سعى للقيام بواجبه حتى اللحظة الأخيرة، لكنّ "العرقلة" أتت من الفريق الآخر، وذلك استباقًا لسيناريوهات لا تزال حتى الآن غامضة وضبابية، لما يمكن أن يحدث بعد 31 تشرين الأول، خصوصًا أنّ أيّ مؤشرات لا توحي حتى الآن بأنّ رئيسًا جديدًا سيُنتخب في المدة الدستورية، بما ينقذ البلاد من الخطر الآتي.

باختصار، يرى البعض أنّ ما يجري اليوم ليس أكثر من "وقت ضائع" بانتظار الاستحقاق الأهمّ، الذي بات قِبلة كلّ الأنظار، وهو انتخابات الرئاسة، حيث يسعى كلّ فريق إلى تعزيز "أوراق قوته" في الوقت "المستقطع"، ليبقى الخوف، كل الخوف، من انزلاق الأمور نحو ما لا تحمد عقباه، ولا سيما أنّ بعض السيناريوهات التي يكثر الحديث عنها، لا تنبئ بتكرار "سوابق" تاريخية فحسب، بل بأخذ البلاد نحو "مجهول" أكبر ممّا هو فيه!.