مع تفاقُم أَزمة الأَطفال المُشرّدين، وغيرها مِن الأَزمات ذات الصّلة بمُخالفاتٍ جسيمةٍ تُرتَكَب على صعيد "الاتّفاقيّة الدّوليّة لحُقوق الطّفل"، والّتي وقّع علَيْها لُبنان مِن دون تحفُّظٍ على أَيٍّ مِن بُنودها... جهدَت وزارة الشّؤون الاجتماعيّة اللُبنانيّة إِلى إِنشاء حسابٍ خاصٍّ لمُساعدة الضّحايا مِن الأَطفال... غير أَنّ هذا الحساب لم يُطبَّق يَومًا، فأُضيف إِلى قائمةٍ طويلةٍ مِن المُقتَرَحات غير المُنفّذَة، وعلى مُختلف الصُّعُد...

كما وأَنّ في عدم حِماية الأَطفال، تقاعُسًا لناحية ما شدّدَت علَيْه أَيضًا الأُمم المُتحدة، في "الإِعلان العالميّ لحُقوق الإِنسان"، مِن أَنّ للطُّفولة الحقّ في رعايةٍ ومُساعدةٍ خاصّتَيْن"...

كما وأَنّ "الحاجة إِلى تَوْفير رعايةٍ خاصّةٍ للطّفل"... قد وردَت أَيضًا في "إِعلان جنيف لحُقوق الطّفل" (1924)، وفي "إِعلان حُقوق الطّفل" الّذي اعتمدته الجمعيّة العُموميّة في 20 تشرين الثّاني 1959، والمُعتَرَف به في "الإِعلان العالميّ لحُقوق الإِنسان" (وفي "العهد الدّوليّ الخاصّ بالحُقوق المدنيّة والسّياسيّة" (وبخاصّةٍ في المادّتَيْن 23 و 24)، وفي "العهد الدّوليّ الخاصّ بالحُقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة" (وبخاصّةٍ في المادّة 10)، وفي النُّظم الأَساسيّة والصُّكوك ذات الصّلة للوكالات المُتخصّصة والمُنظّمات الدّوليّة المعنيّة بخير الطّفل...

على أَرض الواقِع

بَيْد أَنّ الأُمور تختلف كُليّا على أَرض الواقع، إِذ غالبًا ما تكون الطّفولة المَنسيّة، بَيْن فكَّي الحُروب السّياسيّة... والأَزمات الاقتصاديّة... بعيدةً بُعْد النّقيض، عمّا ورد في هذا المجال، في "الاتّفاقيّة الدّوليّة لحُقوق الطّفل"، لناحية "...المبادئ الاجتماعيّة والقانونيّة، المُتّصلة بحماية الأَطفال ورعايتهم، مع الاهتمام الخاصّ بالحضانة والتبنّي على الصّعيدَيْن الوطنيّ والدّوليّ، وإِلى قواعد الأُمم المُتّحدة الدُّنيا النّموذجيّة لإِدارة شُؤون قضاء الأَحداث (قواعد بكين)، وإِلى الإِعلان في شأن حماية النّساء والأَطفال أَثناء الطّوارئ والمُنازعات المُسلّحة"!...

وأَكثر المُشاهدات، الأَليمة، والنّافرة، المُقزّزة... أَن يسمح القانون اللُبنانيّ مثلًا، في باب مُكافحة التسوُّل، بسحب الأَطفال مِن الشّارع "مخفورين"، في انتهاكٍ فاضحٍ – إذا طُبّق القانون – لكرامة الأَطفال الضّحايا!. وأَين الاعتبار الأَوّل الّذي ينبغي أَن يبقى بالمُطلَق "لمصالح الطّفل الفُضلى"؟.

وفي هذا السّياق لا بُدّ مِن الإِشارة أَيضًا إِلى أَنّ مُعظم القوانين اللُبنانيّة خالٍ مِن المراسيم التّطبيقيّة، الّتي مِن شأنها أَن تُحدّد كيف يُمكن تطبيق القوانين الصّادرة...

وكذلك ثمّة ثغراتٌ في بعض القوانين الخاصّة بحماية الطّفولة في لُبنان، لن تستقيم مع وجودها "مصالح الطّفل الفُضلى"!.

كما وثمّة أُفولٌ للمنطق في بعض القوانين الخاصّة بالطُّفولة عندنا، إِذ إِنّ الطّفل، في سنّ الـ 18، يُقرّر ما يشاء بالنّسبة إِلى حياته الخاصّة... ومع ذلك، لا يحقّ له مثلًا أَن يقترع ويُمارس حقّه الانتخابيّ!.

إِلى ذلك، فقد جاء القانون 422/2002، ليُحرز تقدُّمًا في مجال "تحقيق حقوق الطّفل"، بَيْد أَنّ دراسةً حديثةً للـ "يونيسف"، أَظهرَت أَنْ على رُغم الكثير مِن التقدُّم الّذي أَحرزه لُبنان في هذا المجال، إِلّا أَنّ ذلك قد تعرّض للـ "تآكُل" بسبب الأَزمة الاقتصاديّة في لُبنان أَوّلًا، ومِن ثمّ - وعلى نحوٍ أَقلّ - بسبب جائحة "كوفيد-19".

البيئة الاجتماعيّة

وإلى جانب تفعيل بعض القَوانين الخاصّة بالطّفل، ثمّة حاجةٌ في لُبنان، وبالتّوازي، إِلى تفعيل البيئة الاجتماعيّة. وهُنا يبرز السُّؤال الكبير: لماذا لا يبقى الطّفل المُعرّض للخطر في كنف عائلته؟ وتاليًا لماذا لا يتمّ إِبعاد الخَطَر عن العائلة وإِبقاء الطّفل فيها؟... إِنّه سُؤالٌ بديهيٌّ ينبغي التوقُّف عنده!

المَسؤُوليّة الدّوليّة

كما وأَنْ ثمّة مسؤوليّةً للمُجتمع الدّوليّ في هذا المَجال، إِذ أَين هو مِن مبدإِ "... التّعاون الدّوليّ لتحسين ظُروف معيشة الأَطفال"؟... وبخاصّةٍ في البلدان النامية؟!.