على وقع الأزمات المفتوحة التي لا تنتهي، يتخبّط البلد أكثر فأكثر يومًا بعد آخر، فيما تبدو كلّ الطرق "مسدودة"، وسط "تعثّر" يشمل كلّ الاستحقاقات، فلا تشكيل الحكومة "ميسَّر"، في ضوء السجالات عالية السقف التي عادت لتتصدّر المشهد، ولا انتخاب رئيس جديد على "الأجندة"، في ضوء تعامل معظم الفرقاء مع الفراغ، وكأنّه أصبح "حتميًا" ولا غنى عنه.

في ظلّ هذا المشهد، عاد الحديث عن "اجتهادات غبّ الطلب"، على أكثر من مستوى، تنطلق من التسريبات القديمة الجديدة، عن "سيناريو" تمديد رئيس الجمهورية ميشال عون لنفسه، استنادًا إلى "فتوى دستورية" لا تسمح لحكومة تصريف أعمال باستلام صلاحياته، تقابلها "فتاوى" بالجملة عن جواز ذلك، بموجب الدستور، الذي لم يميّز بين حكومة أصيلة أو غيرها.

في الموازاة، بدأ الحديث في الساعات الماضية عن "اجتهادات" من نوع آخر، قد يلجأ إليها البعض في الوقت "المستقطع" عن انتهاء الولاية الرئاسية، على غرار "سحب التكليف" من رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، طالما أنه لا ينوي التأليف، وصولاً إلى قيام رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة جديدة، قبل مغادرة بعبدا، تحت عنوان "منع الفراغ".

لا شكّ أنّ مثل هذه الفتاوى والتسريبات تنطوي على "خطورة كبرى"، وتثير الكثير من التساؤلات، فما مدى "جديتها"؟ وهل يتمّ بحثها فعلاً في الأوساط السياسية؟ وهل يدرك اللاعبون على خطها، التداعيات التي يمكن أن تنطوي عليها، على أكثر من مستوى؟ وهل ثمّة من يرغب بإعادة "عقارب الساعة" إلى الوراء، ولو كانت النتيجة أن يعيد "التاريخ" نفسه؟!.

في المبدأ، يرى المتابعون أنّ صورة ما بعد 31 تشرين الأول لا تزال غامضة وضبابية ومبهمة، ويؤكدون أنّ أحدًا لا يستطيع الادّعاء بمعرفة المسار الذي يمكن أن تأخذه الأمور، ولو أنّ كلّ التقديرات ترجّح وصول كلّ الاستحقاقات إلى طريق مسدود، من تشكيل الحكومة "المستعصي" على ما يبدو، إلى انتخاب الرئيس الذي لا يزال حتى الآن أسير "المعايير" التي لا تسمن ولا تغني من جوع، و"الرهانات" التي تبدو غير مجدية، أقلّه حتى إثبات العكس.

فعلى مستوى تشكيل الحكومة، لا يزال "التعقيد" سيد الموقف، رغم ما يروّجه البعض عن "تفاؤل حذِر" على الخط، وهو ما بدّده بشكل أو بآخر السجال الأخير بين رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ورئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل، والذي كرّس حقيقة أنّ كلاً منهما متمسّك بموقفه، ويرفض المبادرة إلى أيّ خطوة يمكن أن تفسَّر في مكان ما، على أنّها "تنازل" يمكن أن يستفيد منها الخصم للحديث عن "انتصار".

أما على مستوى الانتخابات الرئاسية، فالواضح أنّ ظروفها لم تنضج بعد، رغم أنّ أسبوعًا واحدًا يفصل عن بدء المهلة الدستورية والقانونية لإجرائها، في ضوء الانقسام العمودي في "خيارات" اللاعبين، بين رئيس مواجهة أو تسوية، وبغياب أيّ أسماء "جدية" متداولة، بعيدًا عمّا يسمّى بالمرشحين "الطبيعيين"، والممرات "الإلزامية"، وغير ذلك من المصطلحات التي يتعمّد البعض بثّها في أجواء الاستحقاق ودهاليزه.

لكلّ هذه الأسباب، يبدو "السيناريو الطبيعي" القائم على مغادرة رئيس الجمهورية قصر بعبدا عند انتهاء ولايته الرئاسية، ليتسلّمها رئيس منتخَب، مُستبعَدًا بشدّة في الأوساط السياسية، وسط "نفور" أيضًا من فكرة مغادرة الرئيس للقصر، مسلّمًا صلاحياته إلى رئيس حكومة تصريف أعمال، يقول المحسوبون على الرئيس إنّ صلاحيّاتها "الضيّقة" أصلاً، لا تسمح لها بأخذ دور رئيس الجمهورية وصلاحيّاته.

من هنا، يبدو الحديث عن الفتاوى والاجتهادات "جديًا" في مكان ما، ولو أنّ المعنيّين به ينفونه بشكل أو بآخر، فالمحسوبون على رئيس الجمهورية مثلاً يجزمون أنّ الأخير ليس في وارد البقاء في قصر بعبدا دقيقة واحدة بعد انتهاء ولايته، ولا سيّما أنّه أقسم اليمين على الدستور ولا يسمح لنفسه بمخالفته، لكنّهم يعتبرون أنّ استلام حكومة تصريف الأعمال للصلاحيات هو بدوره، عمل منافٍ للدستور والقوانين.

يرفض المحسوبون على الرئيس التعليق على ما سُرّب في اليومين الماضيين عن خطوات يمكن أن يلجأ إليها، كسحب التكليف من ميقاتي، ليصار إلى تكليف شخصية أخرى لتشكيل حكومة، وسوى ذلك من أفكار قد تكون قابلة للبحث، لكنّهم يؤكدون أنّ الرئيس لن يبقى "متفرّجًا" حتى اللحظة الأخيرة، وهو سيأخذ زمام المبادرة في الوقت المناسب، إذا ما شعر أنّ هناك من يصرّ على أخذ البلاد إلى "المجهول"، عبر تكريس سوابق غير دستورية ولا قانونية.

إلا أنّ هؤلاء يعتبرون أنّ الطريق الأسهل والذي من شأنه تفادي كلّ هذه السيناريوهات، على خطورتها ودقتها وحساسيتها، يبقى في "تواضع" رئيس الحكومة المكلف، وتعاونه مع رئيس الجمهورية من أجل تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، بدل "تضييع الوقت" بسجالات ومهاترات لا تقدّم ولا تؤخّر، وافتعال "خلاف" مع الوزير باسيل، في محاولة لرمي كرة المسؤولية في ملعبه، والقول إنّ الأخير هو من "يعطّل" تشكيل الحكومة، بشروطه وطلباته.

صحيح أنّ مثل هذا الحلّ يتطلّب "تنازلات" من طرف باسيل أيضًا، المتهَم من جانب رئيس الحكومة المكلف وغيره بوضع العصيّ في دواليب الحكومة، بدليل أنّه من أطاح بـ"إيجابيات" لقاء بعبدا الأخير، إلا أنّ "العونيّين" يعتبرون انّ مثل هذا الكلام غير دقيق، فباسيل لا يريد شيئًا لنفسه، وهو لم يسمّ ميقاتي من الأساس، إلا أنّ الواضح أنّ الأخير "المستقوي" بجمعه لقبي "المكلَّف والمصرِّف" لا يريد أن يشكّل حكومة بكلّ بساطة.

هكذا، يبدو أنّ الغموض سيبقى "عنوان المرحلة" من الآن وحتى 31 تشرين الأول المقبل، في ظلّ سيناريوهات تبدو لكثيرين أقرب إلى "مغامرات" قد لا تكون محسوبة في الكثير من جوانبها، ما يضع "حسّ المسؤولية" لدى مختلف الأفرقاء تحت الاختبار من جديد، فإما ينتصر، ويقي البلاد من "شرّ" لا فائدة منه، وإما يسقط في الفخّ، ليشرّع مصير البلاد أمام "مجهول" لا أحد يدري كيف يمكن تخليصها منه!.