على الرغم من دخول لبنان رسمياً المهلة الدستورية المحددة لإنتخاب رئيس الجمهورية المقبل، أمس، لم تظهر أية ترشيحات من قبل القوى السياسية الأساسية، حيث لا يزال الجميع يقدم رؤيته للمواصفات التي يجب أن يتمتع بها الرئيس من وجهة نظره، من دون أن يقدم على التسمية.

في هذا الإطار، قد يكون لافتاً أن "حزب الله" قد يكون الوحيد، من بين هذه القوى، الذي لم يبادر إلى أي حراك على المستوى العلني، بالرغم من أن الجميع يدرك الدور الذي من الممكن أن يقوم به، خصوصاً أنه حليف لمرشحين طبيعيين بارزين: رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل ورئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية.

في هذا السياق، توقفت العديد من الأوساط السياسية، أول من أمس، عند المواصفات التي كان قد طرحها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، حيث لفت إلى أننا "سنقترع للشخصية التي تجمع ولا تطرح ولا تقسم، وللشخصية التي توحد ولا تفرق، وللشخصية المؤمنة بالثوابت القومية والوطنية وتعتقد اعتقاداً راسخاً أن اسرائيل تمثل تهديداً لوجود لبنان".

من وجهة نظر مصادر سياسية متابعة، هذه المواصفات قد تكون التمهيد العملي لغربلة الأسماء، خصوصاً أنها جاءت بالتزامن مع هجوم على "التيار الوطني الحر" في عدة مجالات، أي أن رئيس المجلس النيابي، الذي يملك القدرة على لعب دور كبير في الإستحقاق الرئاسي، أراد منذ الآن "ضرب" المواصفات التي يطرحها كل من حزب "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، من أجل دعم أخرى تصب في الإطار الذي يتبنّاه، بالتزامن مع إضعاف الخيارات التي من الممكن أن يذهب إليها التيار في حال عدم النجاح في تأليف حكومة جديدة.

وتشير هذه المصادر إلى نقطة مفصليّة على هذا الصعيد، تكمن بالتلاقي، ولو بالشكل العام، بين المواصفات التي طرحها بري، وتلك التي كان قد سبقه إلى طرحها كل من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ورئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، الأمر الذي لا ينفصل أيضاً عما تفكر فيه العديد من الجهات الأخرى، سواء كان ذلك على مستوى النواب التغييريين أو المستقلين، أي الرئيس الوسطي الجامع القادر على أن يكون عابر للإصطفافات السياسية.

على الرغم من ذلك، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أنه حتى داخل القوى التي تفضل الخيار الوسطي ليس هناك من إجماع حول كيفية تطبيق هذه المواصفات، فالبعض يعتبر أنها تنطبق على فرنجية، بينما البعض الآخر يرفض ذلك، كما أن هناك من يدعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون، بينما هناك من لا يفضل العودة إلى المرشح العسكري.

في مطلق الأحوال، تشير مصادر نيابية، عبر "النشرة"، إلى أن الأساس يبقى في المشاورات التي يقوم بها "حزب الله" مع "التيار الوطني الحر"، نظراً إلى أن الحزب لن يتجاوز التيار في هذا الإستحقاق، حتى ولو كان يفضل وصول رئيس تيار "المردة" إلى سدة الرئاسة، من دون تجاهل المؤثرات الخارجية في هذا الملف، التي من المفترض أن تظهر في الأسابيع المقبلة بشكل أوضح.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ رئيس المجلس النيابي يفضل أيضاً إنتخاب فرنجيّة، خصوصاً بعد أن أعطاه قوّة دفع عبر الحديث عن الشخصيّة المؤمنة بالثوابت القوميّة والوطنيّة والتي تعتقد اعتقاداً راسخاً أنّ اسرائيل تمثل تهديداً لوجود لبنان، لكنه في المقابل لن يذهب إلى الإستمرار في خوض معركته في حال لم يتأمّن التوافق الداخلي والخارجي عليه، لا سيما أن المطلوب من الرئيس المقبل أن يكون قادراً على وصل ما انقطع مع الدول العربية تحديداً.

في المحصّلة، حتى الساعة ليس هناك ما هو محسوم على مستوى الإستحقاق الرئاسي، نظراً إلى التباعد الواضح في مواقف مختلف الأفرقاء، بالإضافة إلى عدم وضوح الرؤية على أكثر من صعيد، لكن الأكيد أن الخيار الوسطي بات يتقدم على سواه، بانتظار ما قد تحمله الأيام المقبلة من معطيات إضافية.