لفت مصدر سياسي رفيع لصحيفة "الجمهورية"، إلى أنّ "الهوة تعمّقت بين رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة المكلف ​نجيب ميقاتي​، وانتقل كل منهما الى ضفة في مسارَين لا ولن يلتقيا الا بمشيئة الله".

ورأى أنّ "الحكومة طارت وسقطت كل المحاولات لإمكانية تشكيلها قبل انتهاء العهد، والسبب ان فريق رئيس الجمهورية الذي يقوده رئيس "التيار الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​، انفصل تماما عن الواقع وتَعدّت شروطه المطالبة بـ6 وزراء دولة سياسيين، فأصبح يريد حكومة انطلاقة عهد وليس حكومة نهاية عهد، الا اذا كان يعتبر ​الفراغ الرئاسي​ هو عهد مكمل سيسمّيه عهد الفراغ ويصدر "طابو" بملكيته".

وأوضح المصدر أنّ "الشباب وضعوا برنامج حكومة مُثقل بالمطالب، وميقاتي ليس في وارد السير بها على الاطلاق، خصوصا انه اصبح محصّناً بسلاحين: الاول، الرأي الدستوري الذي يؤكد ان الحكومة الموجودة مهما كانت صفتها هي التي تتسلّم الحكم. والسلاح الآخر هو ما قاله رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ من صور، من انّ المجلس النيابي هو الوحيد من لديه صلاحية تفسير الدستور"، مركّزًا على أنّ "ما بعد الاول من ايلول ليس كما قبله، والاهتمام السياسي سيصبح في مكان آخر".

تمسّك بعبدا بالتوسيع

وكانت قد ردّت مصادر قريبة من قصر بعبدا، عبر "الجمهورية"، بطريقة غير مباشرة على موقف بري المعارض للحكومة السياسية في هذه المرحلة، وقالت: "انّ البحث في تأليف الحكومة لم يتجاوز التفاهم على الصيغة الوزارية وشكلها وتركيبتهاـ ولم يصل الى مرحلة الأسماء الاضافية الجديدة".

وكشفت هذه المصادر أن "عون سبق له أن اقترح على الرئيس المكلف توسيع الحكومة بإضافة ستة وزراء جدد الى الصيغة التي تقدم بها في 29 حزيران الماضي، وقد حظي بموافقة ميقاتي"، مبيّنة انّ "اقتراح عون هذا لم يكن الهدف منه، كما راح البعض بعيداً في تفسيره، ان يضمن حصوله على الثلث المعطّل ولا تعطيل تشكيل الحكومة ايضا، وإنما اراد تحقيق عدة أهداف، ومنها:

- ضرورة تأمين حصانة سياسية لحكومة الوزراء التكنوقراط تمكّنها من مواجهة الاستحقاقات المرتقبة في الآتي من الأيام، وأبرزها استحقاق ​ترسيم الحدود البحرية​ الجنوبية واقرار الاصلاحات في ​خطة التعافي​ الاقتصادية وغيرها.

- إنّ تجربة الحكومة الحالية وقبلها ​حكومة حسان دياب​، اللتين ضَمّتا وزراء تكنوقراط لم تكن مشجعة، إذ افتقدت الحكومتان الى دعم الكتل السياسية الممثلة فيهما، ما ادى الى تراجع في الغطاء السياسي الواجب توافره في هذه الحال.

- لا يخفى على أحد انّ تجربة الوزراء التكنوقراط تعرضت الى كثير من الانتقادات التي وجّهتها الكتل السياسية، وخصوصا عند مقاربتها للملفات السياسية، وهي تشكل حجما بالغا من العمل الحكومي وليست من القضايا العابرة.

- كاد غياب الغطاء السياسي ان يؤدي الى تعليق البحث في الملفات السياسية المهمة، وهي قضايا بالغة الدقة والاهمية لا يمكن مقاربتها في ظل وزراء التكنوقراط، الذين عليهم ان يعيشوا حالاً من القلق التي تعوق اتخاذ القرار السياسي الحاسم، عند عودتهم في كل مرة الى مرجعياتهم السياسية لسؤالها عن موقفها من القضايا المطروحة.

- في حال تمثّلت القوى السياسية مباشرة عبر الوزراء الستة الجدد، يمكن تجاوز كثير من العقبات واتخاذ القرارات في وقت قياسي من دون اي تأخير تفرضه طريقة البحث عن أجوبة ومشاورات خارج إطار مجلس الوزراء.

وذكرت المصادر أنّه "في حال وقع الفراغ الرئاسي، فإنّ الحكومة الجديدة تحتاج الى تمثيل سياسي، خصوصاً ان تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية لأي سبب كان، وان الحكومة ستتولى مجتمعة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، وفي مثل هذه الحال تصبح الحاجة الى تمثيل سياسي في الحكومة ملحّة وضرورية".

"حرب مفتوحة" بين الرئيس اللبناني ورئيس البرلمان لافتقادهما الكيمياء السياسية

أشار مصدر وزاري بارز، لصحيفة "الشّرق الأوسط"، إلى أنّ "بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس لبناني جديد يتزامن مع ارتفاع منسوب الكيمياء السياسية المفقودة بين بري وعون ووريثه السياسي باسيل، وهذا ما انعكس سلباً على جولة المشاورات الخامسة التي عُقدت بين عون وميقاتي، والتي أعادتها إلى نقطة الصفر، على خلفية إحجام عون عن التعاطي بإيجابية مع اقتراح ميقاتي بأن يسمي هو شخصياً الوزيرين البديلين لوزيري الاقتصاد أمين سلام، والمهجّرين عصام شرف الدين، على أن يأخذ في الاعتبار رئيس الجمهورية باختيارهما شرط ألا يشكلا تحدّياً لنواب عكار أو للحزب "التقدّمي الاشتراكي" برغم أن رئيسه وليد جنبلاط ينأى بنفسه عن تسمية الوزير البديل".

وأفاد بأنّ "الجولة الخامسة من مشاورات التأليف لم تحقق أي اختراق لتسريع ولادة الحكومة العتيدة، لأن عون أقفل الباب أمام التداول بالمخارج لإخراج التشكيلة الوزارية من التأزّم، ولم يعلّق على اقتراح ميقاتي بأن يترك له الحرية بتسمية الوزيرين البديلين، مكتفياً بالغمز من قناة بري بتوجيه سلسلة من الانتقادات له، بذريعة أنه يعيق تحقيق الإصلاحات التي يطالب بها عون محملاً إياه مسؤولية الضلوع إلى جانب الآخرين في إفشال عهده".

ولفت المصدر إلى أن "عون أوصل تشكيل الحكومة الجديدة إلى طريق مسدود، بسبب إصراره على توظيف الجولة الخامسة لشن هجوم غير مسبوق على بري، من دون أن يشمل حليفه "​حزب الله​" بالانتقادات التي ساقها ضد رئيس البرلمان"، مؤكّدًا أنّ "ميقاتي حاول التدخّل لإعادة الاعتبار لمشاورات التأليف، رافضاً إقحام الجولة الخامسة في خلافات سياسية أو السير في هجوم عون على بري".

واعتبر أنّ "رئيس الجمهورية لم يكن في وارد التداول في المخارج المؤدية إلى تشكيل الحكومة، حتى إنه تجنّب طرح البدائل للصيغة المقترحة من ميقاتي بتعويم حكومة تصريف الأعمال من دون أن يعترض على إدخال أسماء وزراء جدد، بحدود معينة". واستبعد أن "تكون للبحث صلة بين عون وميقاتي لاستئناف المشاورات حول تشكيل الحكومة"، مبيّنًا أنّ "عون لم يكرر مطالبته بتشكيل حكومة موسعة من 30 وزيراً، من بينهم 6 وزراء سياسيين، وهذا ما يطرح جملة من الأسئلة حول أسباب لجوئه إلى توتير الأجواء، وتحديداً مع رئيس البرلمان، كونها لا تخدم الانتقال السلمي للسلطة بانتخاب رئيس جديد".

كما توقع أن "لا مجال لتشكيل حكومة جديدة أو تعويم الحالية، لأن المراوحة تطغى على كل المحاولات للوصول بها إلى بر الأمان"، ولم يستبعد "لجوء هذا الطرف أو ذاك لاستخدام السلاح السياسي الثقيل، وانضمام قوى أخرى إلى الحرب المفتوحة، في ظل تقدم الفراغ الرئاسي حتى الساعة على انتخاب الرئيس، وبذلك يكون بري قد استبق "جردة الحساب" التي يعدها عون لولايته الرئاسية بـ"جردة" من نوع آخر".