في عظته خلال قداس الأحد، أعرب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن أسفه من أن البحث في الملف الرئاسي بات وفق معادلة: "من يتولى مسؤولية الفراغ أو الشغور الرئاسي؟ رئيس الجمهورية الذي شارف عهده على النهاية، أم الحكومة المستقيلة"، معتبراً أن "تعمّد الشغور الرئاسي مؤامرة على ما يمثل منصب الرئاسة في الجمهورية".

هذه المعادلة، التي تحدث عنها البطريريك الراعي، هي التعبير الحقيقي عن واقع الملف الرئاسي، في المرحلة الراهنة، خصوصاً أن الجميع بات يسلم بصعوبة إنتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية المحددة، خصوصاً أن مواقف الأفرقاء المحليين، حتى داخل الفريق الواحد، متباعدة إلى حد بعيد، لدرجة من غير المتوقع أن تنجح الإتصالات في التقريب فيما بينها خلال وقت قصير.

في اليومين الماضيين، برزت على الساحة السياسية المواقف التي عبر عنها كل من النواب التغييريين ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، بعدما كانت العديد من الجهات الأخرى قد كشفت، في الفترة الماضية، عن توجهاتها، لكن الأساس، بحسب مصادر سياسية متابعة، يبقى عدم وصول أي جهة إلى مرحلة الترشيح، أي تسمية من ترى أن المواصفات التي تطرحها تنطبق عليه، على قاعدة أن الأمر لا يزال يحتاج إلى المزيد من البحث.

في هذا السياق، تشير المصادر نفسها، عبر "النشرة"، إلى أن ما يمكن الحديث عنه هو أن الجميع، دون إستثناء، بات ينظر إلى سلاح تعطيل جلسات الإنتخاب كحق مشروع له، بعد أن كانت توجه الإنتقادات إلى كل من "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، بسبب لجوئهما إلى هذا الخيار في الإستحقاق الماضي، وبالتالي هو قد يستخدم من قبل أي فريق، في الإستحقاق الحالي، لا بل من الممكن أن يستخدم في كل جلسة من فريق مختلف، على قاعدة أن الجميع يمتلك حق "الفيتو".

بحسب التوازنات الموجودة في المجلس النيابي الحالي، بالإضافة إلى التحالفات غير المعلنة أو المباشرة، يمكن الحديث عن أن هناك مجموعة تتفق على عدم السماح بإنتخاب رئيس ينتمي إلى قوى الثامن من آذار مهما كان الثمن، في المقابل هناك مجموعة أخرى لن تسمح بإنتخاب رئيس يكون معارضا لهذا الفريق أو يمثل "تحد" له.

بالتزامن، داخل كل مجموعة من المجموعتين هناك تناقضات ليس من السهل معالجتها، فالخلافات بين "التيار الوطني الحر" وبعض أفرقاء قوى الثامن من آذار معروفة، الأمر الذي قد يحول دون التوافق على إسم واحد بالرغم من الجهود التي يقوم بها "حزب الله"، في حين لا تتفق معظم الكتل النيابية المعارضة مع الطروحات التي يقدمها حزب "القوات اللبنانية"، ما يعني صعوبة في التوافق على إسم واحد أيضاً.

بالنسبة إلى المصادر السياسية المتابعة، ما تقدم يقود إلى أن الجميع محكوم بلعبة التوافق، أي البحث عن الشخصية القادرة على تأمين النصاب قبل الأصوات اللازمة لإنتخابها، بينما في الوقت الراهن يسعى الجميع إلى التركيز على المواصفات، التي لا يبدو أن هناك من هو مستعد لتقديم تنازلات فيها، وكأن هذه المواصفات هي الشجرة التي صعد الجميع إلى أعلاها من دون أن يفكر في كيفية النزول عنها.

في المحصلة، ترى المصادر نفسها أن المتوقع، في الشهرين المقبلين، أن يكون التصعيد سيد الموقف، الأمر الذي قد لا يقتصر على المواقف السياسية فقط، نظراً إلى أن هناك من هو قادر على إستخدام العديد من الأدوات الأخرى، أبرزها الملفات الإقتصادية والإجتماعية ورفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، بينما في المقابل هناك من يهدد باللجوء إلى الشارع، كما حال النواب التغييريين، الذين أعلنوا عن ذلك صراحة، الأمر الذي من غير المتوقع أن يؤدي إلى أي نتيجة إيجابية في ظل المعطيات القائمة.