فجر مجلس القضاء الأعلى في لبنان مفاجأة من العيار الثقيل، تمثلت بموافقته على اقتراح وزير العدل هنري خوري، بتعيين محقق عدلي رديف في ملف انفجار مرفأ بيروت، يتولى مهمة البت بإخلاء سبيل الموقوفين في القضية، إلى حين عودة المحقق العدلي الأصيل طارق البيطار إلى ممارسة مهامه المجمدة منذ تسعة أشهر، بفعل الدعاوى المقامة من سياسيين ملاحقين في الملف يطالبون بتنحيته.

وأحدث هذا القرار صدمة لدى المراجع القانونية، التي اعتبرته «سابقة غير معهودة»، و«حالة فريدة بتعيين محققَين عدليين بقضية واحدة»، وأن القرار «سيرخي بثقله على الواقع القضائي المنهك أصلاً».

وينذر القرار بأزمة جديدة، حيث أكدت مصادر مقربة من المحقق العدلي طارق البيطار لـ«الشرق الأوسط»، أن الأخير «لن يعترف بأي قاضٍ آخر يعين في هذا الملف». واعتبرت أن القرار «يشكل سابقة خطيرة ستكون لها تداعيات سلبية جداً على الجسم القضائي برمته».

ووضعت مصادر متابعة لملف المرفأ قرار أعلى مرجعية قضائية، في سياق «الاستجابة للضغوط السياسية الهائلة التي تمارس على القضاء وخصوصاً على رئيس مجلس القضاء منذ أشهر»، لكن مصادر مقربة من مجلس القضاء، عزت هذا القرار إلى «إصرار المجلس على تسيير مرفق العدالة وعدم الاستسلام لإرادة التعطيل، التي تترجم بعشرات الدعاوى ضد المحقق العدلي، وتقويض مسار العدالة». وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن القرار «اتخذ بإجماع الأعضاء، وأفضى إلى اقتراح عدد من أسماء القضاة المشهود لهم بالكفاءة، وعرضها على وزير العدل لاختيار أحدهم»، مشيرة إلى أن القرار «لا يتعارض مع أحكام القانون، ولا بد في النهاية من التوصل إلى حل يخرج الملف من دائرة الجمود والتعطيل»، مؤكدة أن «المحقق الرديف لا يلغي الدور الأساس للقاضي البيطار الذي سيستأنف عمله فور البت بالدعاوى المقامة ضده».

وأثار القرار استغراب المعنيين بالشأن القضائي، وأشار مصدر قضائي بارز لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الأمر سيخلق أزمة غير مسبوقة بتاريخ القضاء اللبناني»، معتبراً أن «الذهاب إلى تعيين محقق عدلي رديف، سيضع الأمور أمام خيارين أحلاهما مُر، الأول أن يرفض البيطار القرار ويمتنع عن تسليم الملف أو جزء منه للمحقق الجديد، وهذا سيقود إلى انقسام قضائي حاد، والثاني أن يسارع البيطار إلى الاستقالة من القضاء نهائياً، ويلقي الكرة في حضن مجلس القضاء، ليتحمل مسؤولية عودة التحقيق إلى نقطة الصفر، وعندها سيحتاج التحقيق الذي شارف على نهايته إلى عامين جديدين».

ولفت إلى أن البيطار «واجه المنظومة السياسية منذ أكثر من سنة، وقد عجزت عن عزله واستمر بالمهمة التي كلفه بها مجلس القضاء للوصول إلى الحقيقة، لكنه بات اليوم يواجه قرار كسره من قبل مرجعيته القضائية»، متوقعاً أن «يسارع البيطار إلى الاستقالة من السلك القضائي، لأنه يرفض التنحي عن ملف بهذه الخطورة، ويعود ليمارس مهامه كقاضٍ يحاكم الفقراء ويطبق القانون عليهم».

تعيين محقق عدلي رديف للبيطار مهمته الأولى إطلاق سراح الموقوفين

الواضح أن دخول التيار الوطني الحرّ بقوة على الخط فرض واقعاً جديداً تمثل بموافقة مجلس القضاء الأعلى على مبدأ تعيين قاضي تحقيق عدلي رديف في ملف انفجار المرفأ، على أن يقترح وزير العدل اسم القاضي تمهيداً لإبداء مجلس القضاء رأيه، وذلك ريثما يتمكن القاضي طارق البيطار من العودة إلى ممارسة مهامه.

مما لا شك فيه أن، قرار تعيين قاضٍ رديف عن البيطار لم يأتِ «على عجلة» بفعل تحرك الأمس، بل كان يُحضر له منذ أسابيع وفق ما تقول مصادر «العدلية» لـ "الأخبار"، وذلك بالتزامن «مع جلسات مجلس القضاء الأعلى الذي انعقد للبتّ في أمر مرسوم الهيئة العامة لمحاكم التمييز، والذي كان عبّود يقف سداً منيعاً وفي وجه تعديله». لكن السؤال، لماذا قبِل رئيس مجلس القضاء الأعلى بهذا الطرح أخيراً، بعدَ أن كان عرّاب التعطيل، بمنعه أي قاضٍ من إصدار قرار يتعلق بالدعاوى المقدمة ضد البيطار أو طلبات نقل الدعوى من يده إلى قاضٍ آخر، وبتقدّمه جيش المُدافعين عنه ضد من يريد المسّ به؟ وما الذي دفع عبّود إلى التراجع خطوة إلى الوراء؟