لم يكد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع يختم خطابه في مناسبة ذكرى "شهداء المقاومة اللبنانية"، والذي رفع فيه السقف في وجه "العهد" إلى أعلى المستويات، حتى سرّب "العونيّون" صورة لرئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل وهو يشارك في فعاليات مهرجان السينما ضمن مهرجانات البترون، تزامنًا مع الاحتفال "القواتي".

وبعد ساعات على الخطاب، سئل رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، على هامش زيارته رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في دارته ببيروت، عن تعليقه على ما جاء فيه، فكان ردّه ببساطة أنّه "لم يسمعه"، رغم أنّ "الحكيم" خصّ "اللقاء الديمقراطي"، ضمن كتل المعارضة المختلفة، بحصّة وافرة من الكلام، والدعوات إلى "رصّ الصفوف".

وأبعد من "رمزية" هذين التفصيلين، وما يمكن أن ينطوي عليهما من "تقليل" من شأن الخطاب ومضمونه، غابت المعارضة، المعنيّة الأولى بكلام جعجع، عن التعليق، فيما تصدّى "عونيّون"، من الدائرة المقرّبة من باسيل والمحسوبة عليه، بمهاجمة "الحكيم"، خصوصًا بعدما وصل به الأمر حدّ الهجوم "المباشر" على الرئيس ميشال عون، ووصفه بـ"الخانع والخاضع".

فكيف يُقرَأ "تصعيد" جعجع ورفعه الأسقف بهذا الشكل على أبواب الانتخابات الرئاسية، وبعيد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ أي أفق لهذا التصعيد رئاسيًا، ولكن أيضًا على المستوى السياسي بصورة عامة؟ هل تتلقّف قوى المعارضة دعوات جعجع المتكرّرة، علمًا أنّ بعضها كان حاضرًا في المهرجان، فيما البعض الآخر يغرّد في سربٍ مغاير كليًا؟!.

قد لا يكون مفاجئًا أن "يتصدّى" المحسوبون على "التيار الوطني الحر" لخطاب جعجع، ويستحضروا "الأسلحة الثقيلة" في مواجهته، عبر اتهامه بـ"الحقد والكراهية والجنون"، واستحضار ما يصفونه بـ"سجلّه الإجرامي"، كما جاء على لسان بعض نواب تكتل "لبنان القوي"، باعتبار أنّ رئيس حزب "القوات" ضربهم "على الوتر الحسّاس"، وفق ما يقول "القواتيون"، حين وصف الرئيس ميشال عون بـ"الأضعف في تاريخ لبنان".

لكنّ "الضرب على الوتر الحساس"، وفق الرواية "القواتية"، لا يعدو كونه "حقدًا" وفق "العونيّين"، الذين يعتبرون أنّ ما جاء في خطاب جعجع لا يمكن أن يكون مقبولاً، وفق كل المعايير، مضيفين أنّ "الحكيم" ارتكب في خطابه المزيد من "الخطايا" في حقّ المسيحيين، تارةً من خلال الإساءة لموقع الرئاسة ومقام الرئيس، وطورًا من خلال "تسخيف" منطق حقوق المسيحيين، التي يفترض أن يكون على رأس الساعين لتحصيلها وتحقيقها.

وفيما يعتبر المحسوبون على "التيار" أنّ مثل هذا الأمر ليس بجديد على جعجع، الذي قدّم تاريخيًا الكثير من "التنازلات"، خصوصًا في مرحلة اتفاق الطائف، الذي "انتزع الصلاحيات" من يد رئيس الجمهورية، يأسفون لوصوله إلى هذا الدرك، بدل ملاقاة "اليد الممدودة" للوزير السابق جبران باسيل، الذي اختار لبرهة أن يقفز فوق "خلافاته" مع جعجع، من أجل "مصلحة المسيحيين"، عبر الاتفاق على رئيس جديد له "الحيثية المسيحية" المطلوبة بحدّها الأدنى.

أما اتهام جعجع لعون بـ"الضعف" فمردود له، وفق "العونيّين"، لأنّ ما ورد في خطابه لا يدلّ سوى على "ضعفه" هو، بل "عجزه"، هو الذي يكاد "يتوسّل" من يعتبرهم زورًا "شركاءه في الأكثرية الجديدة" حتى يصطفّوا إلى جانبه في المعركة الرئاسية، وهو ما سيكون "سابع المستحيلات" على ما يبدو، ليس فقط للتفاوت في وجهات النظر بين قوى المعارضة، ولكن لرفض بعضها أي "تقاطع" مع جعجع، ولو كان "الثمن" وصول رئيس من "8 آذار".

في مقابل القراءة "العونية" لخطاب جعجع، يقول المؤيدون للأخير إنّه لم يكن "تصعيديًا"، بقدر ما كان "حاسمًا وفاصلاً"، فهو بتوصيفه "الواقع" الذي وصلت إليه البلاد تحت قيادة الرئيس ميشال عون، لم يرغب بالدخول في "اشتباك" مع "التيار"، بقدر ما سعى إلى إيصال "الرسالة" إلى المعارضة، بمختلف تشكيلاتها، لتضع أيديها بأيدي بعضها البعض، من أجل التوصل إلى رئيس "صنع في لبنان" يبدأ مسار الإنقاذ الحقيقي، ومعه مسيرة التغيير المنتظرة.

صحيح أنّ جعجع لم يُشِر من قريب أو بعيد إلى "المبادرة الرئاسية الإنقاذية" التي أطلقها نواب ما يُعرَف بـ"قوى التغيير" قبل يومين فقط من خطابه، إلا أنّ "الاختلاف" بين الإثنين، رغم "تشابه" المضمون، بدا "فاقعًا"، وفق ما يجزم العارفون، فالرئيس "الإنقاذي" بالنسبة إلى جعجع ليس سوى رئيس "مواجهة وتحدٍ"، في حين أنّه بالنسبة إلى "التغييريين" أقرب إلى رئيس "التسوية"، ولو بمعايير مختلفة، أساسها أن يأتي من خارج الاصطفافات السياسية القائمة.

يقول المحسوبون على جعجع إنّه "منفتح" على نواب "التغيير"، وهو لم يسمّهم في مؤتمره ككتلة، بل وضعهم في إطار "النواب المستقلين"، لأنه لا يرى فيهم "كتلة متجانسة"، بل يفضّل التعامل معهم "بالمفرّق"، ويعتبر أن الوصول إلى "تقاطعات" معهم ليس بصعب، رغم الخلاف على "شخصية" الرئيس، باعتبار أنّ المواصفات التي وضعوها في متن مبادرتهم ليس "شديد البعد" عن تلك التي حدّدها هو في أكثر من مناسبة.

وفيما يعتبر هؤلاء أنّ "الترجمة" تبقى هي "المحكّ"، خصوصًا عند بدء البحث بالأسماء، يعتقدون أنّ "النقاش المباشر" بين الجانبين، المفترض أن يحصل أخيرًا بمبادرة من "التغييريين" الذين أعلنوا عن عقد لقاءات ومشاورات مع مختلف القوى السياسية من شأنه أن يكون "الفيصل"، لتقريب وجهات النظر، وهو ما يراهن عليه "الحكيم"، منعًا لـ"خيانة الأمانة" التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة، كما يقول، وهنا بيت القصيد!.