بحسب مصادر معنية بالتفاوض المباشر وغير المباشر الجاري منذ شهر، فإن الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، يتصرف وفق مبدأ «طمأنة لبنان» إلى أن الاتفاق سيكون جاهزاً قريباً ويحقق طلبات لبنان، و«مراعاة إسرائيل» لناحية ترتيب الشكل والتوقيت، وحتى بعض المضامين المتعلقة بمستقبل عمل الشركات العالمية في سواحل فلسطين ولبنان على حد سواء.

وتفيد المصادر لـ "الأخبار"، بأن هوكشتتين اجتمع ثلاث مرات مع الجانب الإسرائيلي بصورة مباشرة منذ زيارته الأخيرة إلى لبنان. وعقد اجتماعات عدة أخرى عبر تطبيق «زوم»، شملت رئيس حكومة إسرائيل يائير لابيد ومستشار الأمن القومي أيال حولتا الذي زار واشنطن لهذه الغاية، ومسؤولين في وزارتي الخارجية والطاقة. كذلك التقى هوكشتاين مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الأمن القومي السفير إيمانويل بون أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن، قبل أن يلتقيه مجدداً في باريس أمس، إضافة إلى لقاءات مع الرؤساء التنفيذيين لشركتي «توتال» و«إنيرجيان» ومسؤولين قطريين، وبقي على تواصل دائم مع نائب رئيس مجلس النواب اللبناني الياس بو صعب.

وبحسب المصادر، فإن التطور الأبرز في الأيام العشرة الأخيرة، تمثل في حصول الإدارة الأميركية، من إسرائيل ومن دول أخرى من بينها لبنان إضافة إلى مصادر استخباراتية أميركية، على معلومات تفيد بأن المقاومة الإسلامية تقوم بخطوات ميدانية على الأرض تشير إلى أنها في وضعية قتالية، وأن التهديدات التي أطلقتها ضد المنشآت الإسرائيلية حقيقية ووشيكة ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات سريعة. كما أبلغ الأوروبيون الأميركيين بأن عدم التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى معركة تطيح بالاستقرار في كل منطقة شرق المتوسط، وقد يتسع ليشمل كل منطقة البحر الأبيض المتوسط، ما سينعكس على كل مشاريع إمداد أوروبا بالغاز من هذه المنطقة، فيما ستكون موسكو المستفيد الأول من هذه المعركة في حال حصولها.

وبناء على هذه المعطيات، سارع الأميركيون إلى تكرار ضغوط غير معلنة على زعيم المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لعدم إقحام الملف في المعركة الانتخابية في إسرائيل، واتصل الرئيس الأميركي جو بايدن بلابيد لحثه على السير قدماً في الاتفاق. وتوفير نوع من الغطاء له، خصوصاً أن رئيس وزراء العدو عبّر للجانب الأميركي وغيره عن خشيته من التأثيرات السلبية للاتفاق عليه في الانتخابات المقبلة للكنيست، لأن «التنازلات» المطلوبة من إسرائيل «كبيرة وتعزز منطق التهديد والابتزاز الذي يقوم به حزب الله».

وبحسب المصادر، فإن المعطيات التي تجمعت في أميركا وفرنسا ولبنان تشير إلى أن الجانب الأميركي حصل من حكومة لابيد على موافقة مبدئية على مطالب لبنان لناحية تثبيت الخط 23 واعتبار حقل قانا كاملاً من حصة لبنان. واعتُبرت موافقة لابيد، مدعوماً من المؤسستين الأمنية والعسكرية، بمثابة ورقة حفظها الوسيط الأميركي في جيبه.

وقال مصدر معني بالمفاوضات إن ما جرى عملياً هو حصول الأميركيين على موافقة إسرائيلية يمكن وصفها بـ«وديعة لابيد»، في إشارة إلى ما سبق للإدارة الأميركية أن حصلت عليه في تسعينات القرن الماضي من موافقة إسرائيلية على طلبات سوريا للانسحاب من الجولان وسميت بـ«وديعة رابين». وقد روّج الجانب الأميركي إلى أن موافقة لابيد ستكون مثبتة على طاولة أي رئيس حكومة جديد في إسرائيل. وهو أمر لا يزال محل شكوك، لأن الجميع يتذكر ما الذي حل بوديعة رابين عندما قصد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون واكتشف أن إسرائيل تراجعت عنها.

وعلمت «الأخبار» أن الجانبين الأميركي والفرنسي تبلغا أنه «لا يجب الرهان على أنه يمكن لحكومة تصريف الأعمال الحالية القيام بالمهمة المناطة برئيس الجمهورية، وأن أي محاولة من الرئيس ميقاتي أو غيره للقول بأنهم قادرون على توقيع الاتفاق حتى ولو لم تتشكل الحكومة وحصل شغور رئاسي ستواجه مشكلة كبيرة لبنانياً».

"إينرجين باور" أجلت استخراج الغاز

قبل ساعات قليلة على وصوله الى المنطقة اعلنت الشركة المشغّلة لسفينة "إينرجين باور" عن تأجيل استخراج الغاز من حقل كاريش المتنازع عليه بين إسرائيل ولبنان.

وتعليقاً على هذه الخطوة كشفت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية" انه الى جانب هذا الاعلان المبدئي والمنطقي الذي يترجم مخاوف الشركات الكبرى من العمل في مناطق مُتنازع عليها، فقد سادت البلبلة في بعض الاوساط السياسية في بيروت حول حركة هوكشتاين التي سبقت زيارته بيروت اليوم بعدما تم تثبيت الموعد وطلبت السفارة الاميركية مواعيد محددة له فحددت الساعة الثانية عشرة ظهراً في قصر بعبدا مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على ان يلتقي بعده الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، وربما سيكون له لقاء مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم.

وعشيّة الزيارة لم تشأ المصادر الدخول في اي سيناريو من السيناريوهات المتداولة حول ما يمكن ان يحمله في اعتبار انّ حضوره اليوم سيُنهي مسلسل الشائعات والروايات، ولا سيما منها تلك التي نسجت قبل اعلان الشركة المشغلة لسفينة "اينرجين باور" في كاريش، والتي حسمت السيناريو المتعلق بعدم وجود اي جواب اسرائيلي واضح على الطرح اللبناني الاخير طالما انّ العمل سيتوقف في الحقل، وهو ما يؤدي ايضا الى نزع فتيل اي عمل عسكري يمكن "حزب الله" ان يقوم به تجاه المنطقة، الأمر الذي سيترك الباب مفتوحا امام سيناريوهات اخرى تقول بتمديد البحث في عملية الترسيم في القريب العاجل على ان ينتظر الجميع الجديد الذي يمكن ان يحمله معه اليوم.

واشنطن تربط مفاوضات ترسيم الحدود بالانتخابات الإسرائيلية

كشف مصدر لبناني رسمي وثيق الصلة بالتحضيرات استعداداً لمحادثات الوسيط الأميركي لـ "الشرق الأوسط"، عن أن اتهام الفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون بوقوفه وراء التأخير في توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل لحرمانه من هذا الإنجاز الذي يتيح للبنان الإفادة من ثرواته البحرية من جهة، ولمنع عون من تحقيقه قبل انتهاء ولايته الرئاسية ليس في محله، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الخبر اليقين لدى المستشار الرئاسي نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بوصعب الذي يتنقّل بين المقرات الرئاسية في ضوء ما يتردّد بأن رئيسي البرلمان نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لن يشاركا في لقاء بعبدا الذي يجمع عون بالوسيط الأميركي بخلاف ما حصل في الاجتماع السابق.