منذ بروز نتائج ​الإنتخابات النيابية​، طرحت الكثير من الأسئلة حول الفريق القادر على تأمين الأكثرية في الإستحقاقات الأساسية، خصوصاً أن ليس هناك من هو قادر على إدعاء إمتلاكها، لكن الأنظار كانت دائمة تتّجه إلى "​حزب الله​"، نظراً إلى وجود كتلة صلبة تدور في فلكه، الأمر الذي قاده إلى تأمين إنتخاب رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ ونائبه إلياس بو صعب، وهو ما تم التعبير عنه بشكل واضح، من خلال طريقة السلام "الإحتفالي" بين بري ورئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، بعد جلسة المجلس الأولى.

في الوقت الراهن، الجميع ينتظر موقف "حزب الله" من ​الإستحقاق الرئاسي​، بالرغم من أنّه لم يبادر إلى إصدار أيّ إشارة على هذا الصعيد، في مقابل الحديث المستمر عن جهود يقوم بها على مستوى ​الملف الحكومي​، بهدف تفادي الوقوع في الشغور الرئاسي في ظلّ حكومة تصريف أعمال، بما يعنيه ذلك من أزمة دستوريّة قد يكون لها تداعيات خطيرة.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الحزب كان، في الأشهر الماضية، منشغل في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، خصوصاً بعد أن قرر الدخول المباشر على خط هذا الملف، راسماً مجموعة من المعادلات التي أعادت تحريكه بجدية كبيرة، خوفاً من الذهاب إلى مواجهة عسكرية، قد يكون لها تداعيات على إستقرار المنطقة برمّتها، لكن هذا لا يلغي أنّه مضطر للعودة للملفات الداخلية في وقت قريب.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، أصعب ما قد يواجهه الحزب في هذا المجال هو الخلاف بين أبرز حليفين له، أيّ "​حركة أمل​" و"التيار الوطني الحرّ"، مع العلم أنه يواجه هذه الأزمة منذ سنوات، فهو ليس في وارد التخلّي عن أيّ منهما لكنه في المقابل غير قادر على جمعهما، بسبب الخلافات الكبيرة التي تسيطر على العلاقة بين "التيار" و"الحركة"، التي تفجرت في العديد من المناسبات، الأمر الذي كان يدفع الحزب إلى التحرك للعمل على "لملمة" الأمور.

في الأيام الماضية، تصاعدت المواجهة على نحو كبير، في فترة من المتوقع أن تكون فيها البلاد أمام مرحلة قد تكون الأخطر منذ إتفاق الطائف، بسبب تزامن الأزمة السياسية مع الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي، لكن اللافت كان سعيهما إلى تأكيد الحرص على العلاقة مع الحزب، فبرّي تعمّد التأكيد على متانة التحالف مع الحزب، بينما باسيل ذهب إلى توجيه رسالة إلى الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، بسبب إعتبار رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن أزمة الكهرباء سببها عدم تشكيل الهيئة الناظمة، في حين كان رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ يتحدث عن عدم دعم الحزب له كما كان يأمل في بعض الطروحات.

من وجهة نظر المصادر المتابعة، العلاقة بين الحركة والتيار غير سويّة بأيّ شكل من الأشكال، فهي قد تُضبط في بعض الأحيان لأجل مصالح استراتيجية، لكن في معظم الأحيان متفلّتة من كل الضوابط، فلا "حزب الله" ولا غيره تمكنوا من فرض "المساكنة" بين الجانبين، لكن اللافت أنّ الخلافات تشتدّ مع إقتراب نهاية عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي كان برّي أول وأبرز معارضيه، في المقابل غالبية قوى المعارضة تضع على رأس قائمة أهدافها منع "حزب الله" من إيصال مرشح حليف له إلى الرئاسة الأولى.

من حيث المبدأ، ترى هذه المصادر أن الخيار الأفضل بالنسبة إلى الحزب هو إيصال أحد حليفيه الأساسيين: باسيل أو رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، لكن ظروف الأول تبدو صعبة، في ظلّ العلاقة المتوترة التي تجمعه مع مختلف الأفرقاء المحليين، بينما فرص الثاني، بالرغم من أنّها قد تكون أفضل، متوقفة على تأييد "التيار الوطني الحرّ" له، الأمر الذي لا يبدو في المتناول في الوقت الراهن، خصوصاً أن باسيل يعتبره من أبرز مرشّحي برّي، الأمر الذي قد يضعف من قدرة الحزب على المناورة في هذا الملف.

في المحصّلة، تشير المصادر نفسها إلى أنّ الأصعب على هذا الصعيد يتمثل في تصدّر برّي المواجهة مع التّيار، بالنسبة إلى الخلاف الدستوري المنتظر، في حال الوصول إلى الشغور الرئاسي في ظل حكومة تصريف أعمال، خصوصاً أنّ الأجواء توحي بأنّ الصدام سيكون بينهما، لا سيما بعد أن أكّد رئيس المجلس النّيابي أنه هو من أسقط التفاهم بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلّف، على توسيع الصيغة الحكوميّة إلى 30 وزيراً، بينما الحزب لم يظهر أيّ موقف من هذا السجال، الذي يفضّل تفاديه تماما.