كما كان متوقعاً، تم التجديد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في ​الجنوب​ "​اليونيفيل​"، وهو امر روتيني كل عام. ولكن هذه المرة، اكتسب الموضوع اهمية اكبر لانه تضمن "تفويضاً" من ​مجلس الامن​ باعطاء هامش حرية اوسع لهذه القوات بالعمل باستقلالية اكثر، حتى من دون التنسيق مع ​الجيش اللبناني​. وكالعادة ايضاً، انبرى قسم من اللبنانيين للتصفيق للقرار معتبرين انه يوجه رسالة واضحة بأن الامور لم تعد تحت سيطرة ​حزب الله​ بشكل تام، فيما عارضه آخرون لانه يهدد السيادة اللبنانية ويؤجج الخلافات بين القوات الدولية والاهالي.

وبين هذا وذاك، يبقى الواقع الميداني هو الحكم، لان الباقي تراه مجبولاً بالعواطف والحسابات السياسية والدبلوماسية وربما الاقتصادية، فيما الواقع على الارض هو الاساس، وهو يشير الى ان التمديد واعطاء هذا الدفع المعنوي لـ"اليونيفيل"، لن يغيّر طريقة التعاطي، فيما اعتبر البعض ان من شأنه اعطاء ضمانات علنية بأنه يمكن مواجهة سيطرة حزب الله في الجنوب، ما قد يشجع على الاسراع في الوصول الى اتفاق حول الترسيم الحدودي، عبر القول ان سلطة "اليونيفيل" تتعاظم وان الامور تحت السيطرة. ولكن ما يقال شيء وما يحصل على الارض شيء آخر، فالمشاكل اكبر من ان تعدّ واصعب من ان يتم احتواءها. ولعل ابلغ دليل على ذلك، سرعة انتشار مشاهد فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر اشكالات سابقة بين "اليونيفيل" والاهالي (المتهمون بأنهم عناصر حزب الله) لم تنته لصالح القوات الدولية، وكانت دائماً تنتظر تدخل الجيش اللبناني لاعادة الامور الى طبيعتها. ووفق المنطق الراهن، وبعيداً عن اي مثالية مصطنعة في القول انه يجب على الدولة ان تسيطر على كامل الاراضي اللبنانية ونزع السلاح من حزب الله، وغيرها من المطالب التي يعلم الجميع انه من غير الممكن تحقيقها حتى بعد تدخل ​اسرائيل​ وقوتها العسكرية، يبقى ان للجنوب وضعه الخاص حتى اشعار آخر.

واذا كان الجيش اللبناني (للاسف) عدم القدرة على التحرك بحرية، فكيف سيتم القبول بتحرك "اليونيفيل" بحرية والدخول حيث تريد؟ ولعل مشاهد الفيديوهات التي انتشرت واظهرت تسليم الجنود الدوليين اسلحتهم لـ"الاهالي"، تعبّر عن حقيقة ما حدث وسيحدث ايضاً. هل سيستعمل هؤلاء القوة النارية عند حصول اشكال مع الاهالي؟ طبعاً لا لان الامر سينقلب عليهم. وهل سيحرج الحزب في حال وقوع الاشكالات؟ بالطبع لا، لانه سيطالب باعادة الامور الى ما كانت عليه لجهة التنسيق مع الجيش الذي بدوره ينسق مع الاهالي لضمان عدم حصول مواجهات، مع الاخذ في الاعتبار انه في كل لحظة يتم التحذير من اعتبار هذه القوات الدولية بأنها ستتحول الى قوات احتلال، مع كل ما يعنيه ذلك من عدائية واستباحة التعامل معها بقوة و"مقاومة" ما ستقوم به.

ازاء ما يحمله الواقع، من الواضح ان الامور الميدانية لن تتغير مهما قيل ومهما صدر من قرارات اقليمية او دولية، والوحيد الذي سيجد نفسه محرجاً هو الدولة اللبنانية والجيش، وليس حزب الله الذي سينفض يديه من الاشكالات مع الاهالي، لكنه سيتصدر حتماً مواجهي تحركات "اليونيفيل" غير المنسقة وسيكون في رأس المحذرين والفارضين لتفاهمات جديدة حول التعاطي اليومي في الجنوب. وكل ما عدا ذلك لن يكون منطقياً، وسيكون مجرد كلام حقيقي وواقعي في الاجمال الا انه لن يجد طريقه الى التنفيذ على ارض الجنوب، اقله الى ان تتغير الظروف والمعطيات الدولية، وقد تجد قوات "اليونيفيل" نفسها اقرب الى قوات "الاندوف" التي تكتفي بالمراقبة على الرغم من ان الصلاحيات ليست نفسها، الا ان الظروف الصعبة والدقيقة هي نفسها، وما يصح لقوات المراقبة وحفظ السلام، يصح ايضاً من ناحية المعطيات والواقع الميداني لقوات الطوارىء الدولية.